ندّدت الصين بما وصفته بـ«التاريخ المظلم» لمجتمع الاستخبارات الأميركية، بعد أن طلب الرئيس الأميركي جو بايدن إجراء تحقيق في منشأ كوفيد-19، الأمر الذي يهدد برسم مسار العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم.
وتراجع واشنطن موقعها الديبلوماسي مع الصين حول قضايا عديدة، من التجارة الى التفوّق التكنولوجي والحقوق؛ وتكثف في الوقت نفسه الجهود لجمع دول غربية في جبهة ديبلوماسية موحدة في مواجهة تعديات صينية مزعومة.

وتبادل ممثلو التجارة لدى الصين والولايات المتحدة محادثات هاتفية «صريحة» حول تقدم اتفاقية وضعت كمسار للخروج من حرب تجارية أشعلها الرئيس الأميركي الـ45، دونالد ترامب، وشهدت فرض رسوم جمركية بعشرات مليارات الدولارات على سلع منافسة.

لكن الرئيس بايدن أعاد نبش قضية تثير توتراً بين البلدين، بعد أن طلب من وكالات الاستخبارات الأميركية تزويده بتقرير في غضون 90 يوماً، حول إذا ما كان الفيروس المسبب لجائحة كوفيد-19 قد ظهر أولاً في الصين من مصدر حيواني أو من حادثة في مختبر.

وفرضية التسرّب من مختبر، التي روّجها أساساً ترامب، قبل أن تنفيها بعثة منظمة الصحة العالمية إلى الصين وتعتبرها «غير مرجّحة بشكل كبير»، عادت إلى الظهور في الأيام الأخيرة بدفع من واشنطن.

والصين حساسة بشكل كبير إزاء اتهامات بأنه كان بإمكانها القيام بجهود أكبر لوقف الجائحة التي أودت بأكثر من 3.4 ملايين شخص، ودمرت اقتصادات منذ ظهورها في مدينة ووهان بوسط الصين، أواخر 2019.

وترفض بكين فرضية تسرّب الفيروس من مختبر فيروسات في ووهان، وفي المقابل اتهمت الولايات المتحدة بنشر نظريات «مؤامرة» وتسييس الجائحة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، تشاو لي جيان، اليوم، إن «دافع وأهداف (إدارة بايدن) واضحة» نافياً الحاجة إلى تحقيق جديد بشأن الوباء.

وأضاف أن «التاريخ المظلم لمجتمع الاستخبارات الأميركية معروف للعالم منذ فترة طويلة»، مشيراً إلى مزاعم بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ما أدى إلى الاجتياح الأميركي لأراضيه.

واعتبر تشاو أن إحياء فرضية تسرّب الفيروس من مختبر «ينم عن قلة احترام للعلم... ويعطّل المكافحة العالمية للوباء».

لكن فرضية تسرّب الفيروس من مختبر في ووهان تعود بقوة إلى صلب النقاشات في الولايات المتحدة.

الأحد، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن تقرير للاستخبارات الأميركية، أن ثلاثة أشخاص من معهد ووهان لعلوم الفيروسات، نقلوا إلى المستشفى بعد إصابتهم بمرض موسمي في تشرين الثاني 2019، أي قبل شهر من إعلان بكين تفشّياً غامضاً لالتهاب رئوي.

وتشير الفرضية المتعلقة بالمنشأ الطبيعي للفيروس، والتي تعتبر أكثر ترجيحاً من قبل فريق منظمة الصحة الذي زار الصين، إلى أن الفيروس نشأ لدى خفافيش ثم انتقل إلى الإنسان، ربما عن طريق فصائل وسيطة.

لقيت هذه الفرضية قبولاً في بداية الجائحة، لكن مع مرور الوقت لم يعثر العلماء على فيروس، إن كان في خفافيش أو في حيوان آخر لديه البصمة الوراثية نفسها لفيروس سارس-كوف-2.

محادثات تجارية

تسعى الصين جاهدة لتجاوز التحقيق حول منشأ الوباء، والذي تدعمه دول غربية، من بينها أستراليا والمملكة المتحدة.

وبدلاً من ذلك، ركّزت على الانتعاش الاقتصادي عقب القضاء على الوباء داخل حدودها.

ورحّبت وزارة التجارة، اليوم، بالمحادثات التجارية مع واشنطن، والتي جاءت في إطار اتفاقية لوضع حد للحرب التجارية الوخيمة.

وقد وقّعت الدولتان اتفاقية «المرحلة الأولى» في كانون الثاني 2020، تعهّدت فيها بكين بزيادة مشترياتها من السلع الأميركية والخدمات بما لا يقل عن 200 مليار دولار على الأقل في 2020 و2021.

غير أن كبيرة المفاوضين التجاريين الأميركيين، كاثرين تاي، قالت إنها بصدد تقييم إذا ما كانت بكين أوفت بشروط الاتفاقية، فيما يقول بعض الخبراء إن مشتريات بكين من السلع الأميركية لا تزال أقل بـ40 في المئة ممّا تنص عليه الاتفاقية.

والمحادثات هي الأولى بين كبار ممثلي التجارة بين البلدين منذ تولّي بايدن الرئاسة، وتنطوي على أهمية، لأن محادثات سابقة رفيعة المستوى، من بينها اجتماع مباشر بين ممثلي التجارة في ألاسكا، انهارت بشكل حاد.

غير أن المحادثات التجارية هي مسألة «بروتوكول دبلوماسي أكثر منها إعادة تفاوض»، وفق الباحث في مركز «هينريتش أليكس كابري».

ورغم نبرة بايدن الأقل حدّة مقارنة بترامب، فإن العلاقة الأميركية الصينية تبدو بحسب كابري على «مسار سلفه» من «التنافس المنهجي الذي تحدده نزعة القومية التكنولوجية والمركنتيالية الجديدة».