يواجه حاكم نيويورك، أندرو كومو، الديمقراطي الذي يحتفظ بمنصبه منذ أكثر من عقد، أصعب تحدٍّ في مسيرته المهنية. ومن الاتهامات بالتحرّش إلى إخفاء الأعداد الحقيقية لوفيات وباء «كورونا»، التي تلاحقه منذ أكثر من شهر، بات من الواضح أنّ حظوظ كومو للاحتفاظ بمنصبه بعد انتخابات عام 2022، أصبحت بحكم المنعدمة. ويأتي ذلك في وقت من غير المتوقّع أن تؤدّي هذه التطورات إلى ملاحقة قضائية ضخمة، أو إلى إمكانية إقالته من منصبه. في هذه الأثناء، عيّنت المدّعية العامة في نيويورك، أمس، محاميَين مستقلّين، للتحقيق في تهم التحرّش الجنسي التي تطاول الحاكم. فحتى الرابع والعشرين من شباط، كانت خمس نساء قد زعمن أن كومو حاول التحرّش بهن، أو أن سلوكه معهن كان غير لائق.
ويأتي هذا الإجراء في وقت بدأ فيه نوّاب ديمقراطيون بإجراءات لعزله، من أبرزهم زعيمة الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، في الولاية، أندريا ستيوارت كازينز. وبعد فترة وجيزة، حذا حذوها نظيرها في مجلس النواب، كارل هيستي، الذي انضم إلى عدد من زملائه في البرلمان المحلّي، لدعوة كومو إلى التنحّي عن منصبه، مؤكداً أنّ «الوقت قد حان للحاكم لكي يتساءل بجدّية عمّا إذا كان يستطيع تلبية توقّعات مواطني نيويورك في ظل هذه الظروف».
وبالرغم من تصويت المجلسَين، الجمعة، على سحب الصلاحيات الخاصة بالحاكم، والتي فُوّض بها، العام الماضي، بهدف إدارة أزمة الوباء، إلّا أنّه يتوجّب على كومو نفسه أن يصادق على النص. وفي حال الرفض، يحقّ للبرلمان تجاوزه. وتأكيداً على رفضه للتنحّي، أكد كومو، أخيراً، أنّ «سكّان هذه الولاية هم من انتخبوه، لا بعض السياسيين»، لذا سيبقى في السلطة حتى انتهاء عهده.

كيف بدأ تدهور شعبية كومو؟
كانت فضيحة إخفاء الوثائق بشأن أعداد الإصابات الحقيقية في دور الرعاية في نيويورك، أولى التهم التي طاولت الحاكم أندرو كومو. فضيحة جاءت بعدما كانت أسهم الرجل ذي الشهرة الواسعة في أوساط حزبه والمواطنين، قد ازدادت بشكل واضح، على إثر استجابته المميّزة لوباء «كورونا» في أولى فترات تفشّيه. وعلى إثرها، تجاوز عدد إطلالاته التلفزيونية تلك الخاصّة بالرئيس، دونالد ترامب، قبل أن يُصدر، في تشرين الأول، كتاباً بعنوان «الأزمة الأميركية» يقدّم فيه «دروساً في القيادة» لمواجهة الوباء.
بيد أنّ هذه الهالة لم تدم كثيراً. ففي شباط، أُجبرت السلطات الصحية في الولاية، على الاعتراف بأنّ العدد الحقيقي للوفيات، بين المقيمين في دور رعاية المسنّين، هو حوالى 15 ألف حالة، وليس 8 آلاف و711 كما كانت قد زعمت سابقاً. واتّضح بالتالي، أنّ الولاية قد أحصت عدد الذين ماتوا في دور رعاية المسنّين فقط، مستثنية آلاف المقيمين الآخرين في هذه الدور، والذين نُقلوا إلى المستشفيات وتوفّوا هناك.
وبعد هذه الفضيحة، بدأت، منذ أواخر الشهر الماضي، تَتتالى اتّهامات التحرّش من نساء عملنَ، سابقاً، مع الحاكم. هذا الأخير لم ينفِ تماماً هذه الاتهامات، بل بادر إلى الاعتذار أكثر من مرة. فقال، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: «أدرك الآن أنني تصرفت بطريقة جعلت أناساً يشعرون بعدم الارتياح. كان هذا بدون قصد وأعتذر عنه بشدة وبصدق»، لافتاً إلى أنّه يشعر بالحرج ممّا قام به «عن غير عمد».

كيف تؤثر الفضائح على حظوظه الانتخابية؟
في ظلّ الحملة الإعلامية القاسية التي تطاول حاكم ولاية نيويورك، القادم من عائلة سياسية ديمقراطية، طرح بعض السياسيين الطامحين للوصول إلى منصبه، بمن في ذلك المحامي العام، جومان ويليامز، بالإضافة إلى بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين، فكرة الترشّح لانتخابات التجديد النصفي عام 2022.
إلّا أنّ العديد من المحلّلين يرجّحون أنّ حظوظ كومو، لا تزال الأعلى. فإلى جانب أنّ هذه الاتهامات لن تعرضه، على الأرجح، لملاحقات قانونية تُذكر، يرى البعض أنّه لا يزال الأكثر معرفة بكيفية إدارة الولاية. كما أنّه كان ينجح، في كلّ مرة، في الفوز بولاية جديدة رغم التحدّيات التي تواجهه. أضف إلى ذلك، أنّ 56% من سكان نيويورك لا يزالون يؤيّدونه، بحسب آخر استطلاع أجرته كلية «سيينا»، ما يعني أنّه لا يزال يحظى بشعبية واسعة كبيرة من سكان ولايته.