بين الدموع والشعارات، ودّعت هيوستن أمس الثلاثاء، جورج فلويد في جنازة شهدت مشاركة واسعة ودعوات إلى إحقاق العدالة من أجل هذا الرجل البالغ من العمر 46 عاماً، الذي أثار موته بيد شرطي أبيض احتجاجات واسعة ومطالب بوضع حد للعنصرية في الولايات المتحدة. وشارك سياسيون وناشطون في المجتمع المدني ومشاهير في كلمات، تناولت ذكريات عن الرجل الذي وصفوه بـ«العملاق اللطيف» بعدما حمل ستة أشخاص وضعوا كمامات نعشه الذهبي إلى مثواه الأخير، بينما وقف عناصر الشرطة في حالة تأهّب وألقوا التحية.وألقى الناشط في الدفاع عن الحقوق المدنية آل شاربتون خطاب تأبين هجومياً على وقع أنغام آلة الأورغن، اتّهم فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتعامل «بلامبالاة مع القضية وإعطاء انطباع للشرطة بامتلاكهم الحصانة». وردّد شاربتون: «نحارب الشر في المناصب العليا» في البلاد متهماً ترامب بـ«التخطيط لكيفية تحريف ما حصل بدلاً من تحقيق العدالة». ومخاطباً الرئيس قال: «تحاول الآن معرفة كيف يمكنك وقف الاحتجاجات بدلاً من وقف وحشية» الشرطة، متهماً إياه بتوجيه رسالة مفادها: «طالما أنك من قوات إنفاذ القانون، فإن القانون لا ينطبق عليك». وتابع القس في كنيسة «فاونتن أوف بريز» في جنوب هيوستن «ستتكرر هذه الحالات مرة تلو أخرى إلى أن ندرك أن ثمن حياة السود يساوي ثمن حياة البيض».
وكانت جنازة فلويد في «فاونتن أوف بريز» المرحلة الأخيرة من سلسلة مراسم سبقت نقل النعش على متن عربة تجرّها أحصنة إلى مثواه الأخير بجانب قبر والدته. وفي طريقها إلى مقبرة «هيوستن ميموريال غاردنز»، مرّت العربة أمام المئات الذين ألقوا التحية وهتفوا باسم فلويد. وكُتب على الطريق بطبشور أزرق اللون «ارقد بقوة»، بينما رُفعت لافتة كُتب عليها «لن ننسى».
وتأتي الجنازة بعدما تعهّدت سلطات ولاية مينيابوليس، بتفكيك وإعادة هيكلة جهاز الشرطة في المدينة، حيث توفي فلويد أثناء توقيفه لاستخدامه ورقة نقدية اشتبهت السلطات في أنها مزوّرة بقيمة 20 دولاراً. وقد يُحكم على الشرطي الأبيض الذي أوقفه وتسبب بوفاته ديريك شوفين (44 عاماً) بالسجن لمدة تصل إلى 40 عاماً في حال تمّت إدانته بتهمة القتل أو القتل غير المتعمّد من الدرجتين الثانية أو الثالثة. وتم تحديد كفالته الاثنين بمليون دولار مع شروط أو 1,25 مليون دولار بدون شروط.

مرشّحة سوداء لمنصب نائب الرئيس
بالتوازي، قدّم المرشّح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جو بايدن، الذي زار العائلة تعازيه لأبناء فلويد في تسجيل مصوّر، داعياً إياهم إلى «تغيير العالم نحو الأفضل» باسم والدهم. وتابع بايدن: «حان الوقت للإنصات والالتئام»، مضيفاً: «حان الوقت لتحقيق العدالة العرقية... لأنه عندما تتحقق العدالة من أجل جورج فلويد سنكون حقاً في طريقنا إلى تحقيق العدالة العرقية في أميركا».
ويبدو أن وفاة فلويد وموجة الاحتجاجات الغاضبة ضد العنصرية ووحشية الشرطة قد أدّت إلى تغيير المعطيات بالنسبة إلى جو بايدن إذ بات اختيار مرشحة سوداء لأول مرة لمنصب نائب الرئيس أمراً يفرض نفسه في الولايات المتحدة. وقد تحدثت كل من السناتورة كامالا هاريس الأوفر حظاً، والنائبة فال ديمينغز ورئيسة بلدية أتلانتا كيشا لانس بوتومز بانفعال وشغف عن المشاعر التي اجتاحت البلاد لدى رؤية مشهد مقتل فلويد، ولكنهن تحدثن أيضاً عن تجربتهن الخاصة كنساء سوداوات البشرة في الولايات المتحدة. وارتفعت حظوظهن على مواقع المراهنة على الإنترنت لمنصب نائب الرئيس القادم للبيت الأبيض على قائمة جو بايدن.
وفي هذا السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، دانيال جيليون، أن الناخبين الأميركيين من أصل أفريقي «يطالبون بنائبة رئيس سوداء البشرة» مع مطالبة المتظاهرين الذين يحتشدون منذ وفاة فلويد في 25 أيار/ مايو، بالعدالة والتغيير. وقد انعكس الأمر على مواقع المراهنات.
وبهذا تراجعت حظوظ ثلاث مرشحات، جميعهن من البيض، بعد أن كنّ قبل ثلاثة أسابيع الأوفر حظاً. وهن عضوتا مجلس الشيوخ والمرشحتان السابقتان للبيت الأبيض إليزابيث وارن وإيمي كلوبوبشار، وحاكمة ميشيغان غريتشين ويتمان.
وقال بايدن مساء أمس في حديث مع قناة «سي بي أس»، إن الأسبوعين الماضيين «زادا من الحاجة ومن الطابع الملح» إلى اختيار شخص «منسجم تماماً» مع توجهاته. وأضاف: «أريد شخصاً قوياً وشخصاً قادراً وجاهزاً لأن يكون رئيساً من اليوم الأول».

لا دليل على تورّط «أنتيفا»
في السياق ذاته تحركت وزارة العدل الأميركية سريعاً لتوجيه اتهامات اتحادية إلى 53 شخصاً متهمين بالعنف خلال الاحتجاجات التي عمّت أنحاء الولايات المتحدة للمطالبة بإنهاء وحشية الشرطة. ووعد وزير العدل وليام بار، بشنّ حملة على أعضاء الحركة المناهضة للفاشية المعروفة باسم «أنتيفا» وغيرهم من «المتطرفين» الذين اتهمهم بالمساعدة في إذكاء العنف.
لكن مراجعة أجرتها وكالة «رويترز» لسجلات المحكمة الاتحادية المتعلقة بالاتهامات ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض المشتبه فيهم ومقابلات مع محامي الدفاع والمدعين، خلصت إلى وقوع أعمال عنف غير منظمة في الأساس «من قِبل أشخاص لا تربطهم صلات واضحة بحركة أنتيفا أو الجماعات اليسارية الأخرى». ووفق «رويترز» فإنها لم تراجع سوى القضايا الاتحادية فقط، بسبب مزاعم وزارة العدل حول تورط «أنتيفا» وجماعات مماثلة، ولأن الاتهامات الاتحادية تنطوي عموماً على عقوبات أشد. وفي بعض وثائق الاتهام التي راجعتها الوكالة، «لم يرد ذكر لأعمال عنف على الإطلاق». وأحجمت وزارة العدل عن التعليق على النتائج التي نشرتها «رويترز» وأشارت إلى حديث أدلى به وزير العدل لشبكة «فوكس نيوز» أول من أمس، قال فيه إن وزارته «تُجري بعض التحقيقات بشأن أنتيفا لكنها لا تزال في المرحلة الأولية لتحديد هوية الأشخاص».
وفي حين خصّ بار وترامب مراراً حركة «أنتيفا» وهي حركة غير منظمة تتألف في الأساس من يساريين مناهضين للسلطات باعتبارها المحرض الرئيسي للاضطرابات فإن هذا المصطلح لا يظهر في أي وثيقة من وثائق الاتهام الاتحادية التي راجعتها الوكالة. ومن المحتمل ظهور المزيد من الأدلة مع سير القضية. ولم تتم الإشارة بالاسم إلا إلى جماعة واحدة في شكوى اتحادية وهي الحركة التي تسمى حركة «بوجالو» التي يؤمن أتباعها وفقاً لما ذكره ممثلو الادعاء باندلاع حرب أهلية وشيكة.

تحقيق في استهداف الصحافيين الأجانب
من جهته وعد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإجراء «تحقيق» في حوادث تعرّض لها صحافيون أجانب خلال التظاهرات التي شهدها الولايات المتحدة على مدار الأسبوعين الماضيين. وخلال مؤتمر صحافي في واشنطن قال بومبيو: «أعرف أن بعض الدول أبدت قلقها بشأن صحافيين قالت إنهم تعرضوا لمعاملة غير مناسبة»، وتابع: «سنبذل كل ما بوسعنا لإجراء تحقيق في هذه المزاعم». كما أكد «على هذه الدول أن تعلم أننا سنرد بالشكل المناسب تماماً».
وكانت مفوّضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه قد ندّدت الأسبوع الماضي بـ«الاعتداء غير المسبوق» على الصحافيين في الولايات المتحدة خلال الاحتجاجات الحاشدة. وأفادت عن معلومات تشير إلى أنه تم التعرض لـ 200 صحافي على أقل تقدير أو توقيفهم فيما كانوا يغطون التظاهرات. كما أعربت روسيا التي غالباً ما تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وحرية التعبير، عن «استنكارها لعنف» الشرطة الأميركية ضد الصحافيين وخصوصاً ضد صحافية متعاونة مع وكالة «سبوتنيك» الروسية.