يوم جديد من الاحتجاجات تشهده الولايات المتحدة التي تتواصل فيها التظاهرات على خلفية مقتل فلويد على يد أحد ضباط الشرطة الأميركية، في حادثة هزّت العالم وحرّكته للنزول إلى الشارع للمطالبة بـ«العدالة وإدانة العنصرية»، فقد شهدت مدن كثيرة حول العالم تحركات دعماً للمتظاهرين الأميركيين الذين خرجوا في أكثر من 24 ولاية، واعتصموا أمام البيت الأبيض في واشنطن، ورفعوا لافتات تُطالب بالعدالة لفلويد. وردّاً على الغضب العارم للمتظاهرين، وفي إطار «الإصلاحات» التي دعا إليها «الديمقراطيون» في الولايات المتحدة وتحديداً التغيير العميق في جهاز الشرطة المتهمة بالعنصرية وبممارسات عنيفة تجاه الأقليات، قرّرت سلطات مدينة مينيابوليس، المدينة التي وقع فيها الحادث، «تفكيك وإعادة بناء» شرطة المدينة. ووقّع تسعة من أعضاء المجلس المكوّن من 12 عضواً على تعهّد ببدء تفكيك قسم الشرطة، قائلين إنه «غير قابل للإصلاح». ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن رئيسة المجلس البلدي للمدينة، ليزا بيندر، قولها: «نحن ملتزمون بتفكيك أجهزة الشرطة كما نعرفها في مدينة مينيابوليس وإعادة بناء نموذج جديد للسلامة العامة يضمن فعلاً أمن مجتمعنا، وذلك بالاشتراك مع مواطنينا». وأشارت بيندر إلى أنّها تعتزم «تحويل الأموال المخصصة لموازنة شرطة المدينة إلى مشاريع تتعلّق بالسكان». وأضافت أن مجلس المدينة يعتزم أيضاً «درس سُبل استبدال جهاز الشرطة الحالي»، لافتة إلى أن «فكرة عدم وجود قوة شرطة ليست بالتأكيد مشروعاً قريب الأمد».من جهتها، كتبت عضو المجلس البلدي ألوندرا كانو على موقع «تويتر» أنّ المجلس خلص إلى أن شرطة المدينة «غير قابلة للإصلاح وسننهي النظام الحالي لحفظ الأمن». غير أنّ رئيس بلدية المدينة جاكوب فراي أبلغ قبل تصويت المجلس أنه يُفضّل «إصلاحاً بنيوياً واسع النطاق لإعادة تأسيس هذا النظام الذي ينطوي على عنصرية هيكلية»، وبالتالي فإنّ المجلس البلدي قد يحتاج إلى وقت لتنفيذ وعده بتفكيكه.
من جانبه، أعلن عمدة نيويورك، بيل دي بلاسيو عن إصلاحات مقترحة لشرطة المدينة، وقال إنها تأتي «كجزء من الإجراءات الإصلاحية. ستتم إعادة توزيع قسم من موازنة إدارة شرطة نيويورك على الشباب والعمل الاجتماعي، كما ستصبح الملفات التأديبية لرجال الشرطة أكثر شفافية». واستجابة لما وصفها بـ«لحظة تحوّل» للمدينة، قال دي بلاسيو إن الإصلاحات المقترحة تُعدّ مجرد «خطوات أولى فقط وإنّ هناك حاجة إلى توضيح مزيد من التفاصيل».

قاتل فلويد أمام القاضي
تُعقد اليوم جلسة الاستماع الخاصة بقضية ضابط الشرطة ديريك شوفين، الذي تسبّب في مقتل فلويد قبل أسبوعين. ووُجّهت إلى شوفين في مرحلة أولى تهمة القتل غير العمد، لكن تم تشديد التهمة بحقه في الرابع من حزيران/يونيو الجاري فوجّهت إليه تهمة القتل، وهو يواجه الآن عقوبة بالسجن تصل إلى أربعين عاماً.
أما الشرطيون الثلاثة الذين كانوا يرافقونه عند توقيف فلويد، فوُجّهت إليهم تهمة «التواطؤ»، وقد وضعوا قيد التوقيف، بعدما لم توجه إليهم أي تهمة في مرحلة أولى. وكانت هذه الملاحقات في صُلب مطالب المتظاهرين، لكن الاستجابة لها لم تضع حداً للتعبئة، بل اتسعت الحركة لتعمّ العالم.

تظاهرات «أممية»
وتظاهر آلاف الأشخاص في نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة وحول العالم ضد العنصرية، من غير أن تترافق هذه التجمعات التاريخية مع أعمال شغب ونهب كما حصل في الأيام التي تلت المأساة في عدد من المدن الأميركية، ما أدى إلى فرض حظر تجول. وقد انضم عشرات آلاف الأوروبيين من بريستول إلى بودابست مروراً بمدريد وروما أمس، إلى التظاهرات التي بدأت إثر مقتل فلويد البالغ 46 عاماً في 25 أيار/مايو اختناقاً فيما الشرطي يضغط بركبته على عنقه. وفي روما، شارك آلاف الشبان في تظاهرة لم تكن مقرّرة مسبقاً في ساحة «بياتزا ديل بوبولو»، فركعوا على ركبة واحدة في صمت رافعين قبضاتهم لمدة حوالى تسع دقائق، المدة التي ضغط فيها الشرطي على عنق فلويد. كذلك الأمر بالنسبة إلى متظاهري مدريد، الذين ركعوا رافعين قبضتهم، في إشارة باتت رمزاً للاحتجاج على عنف الشرطة بعدما قام بها اللاعب السابق لنادي سان فرانسيسكو لكرة القدم الأميركي كولن كوبرنيك خلال النشيد الوطني عام 2016، لدعوة بلاده لحماية حقوق الأميركيين ولا سيما السود من عنف الشرطة. لكن في بلجيكا، أوقفت الشرطة 150 شخصاً لـ«ضلوعهم في أعمال تخريب»، وذلك مساء أمس في بروكسل، في ختام تجمّع شارك فيه حوالى عشرة آلاف شخص.
أما في بريطانيا، فقد أسقط أمس متظاهرون تمثالاً لتاجر رقيق في مدينة بريستول وألقوا به في النهر في اليوم الثاني من الاحتجاجات التي خرجت ضدّ العنصرية في بريطانيا. تاجر العبيد عاش في القرن السابع عشر يُدعى إدوارد كولستون، وكان عضواً في الشركة الأفريقية الملكية التي يُرجّح أنها كانت وراء نقل أكثر من 80 ألف رجل وامرأة وطفل من أفريقيا إلى الأميركيتين. جاء ذلك بعد انطلاق احتجاجات سلمية في وسط لندن السبت الماضي، والتي شهدت اشتباكات بين متظاهرين ورجال الشرطة. وحثّت رئيسة شرطة لندن، كرسيدا ديك، المشاركين في التظاهرات على أن يجدوا طريقة مختلفة للتعبير عن رأيهم. لكنّ حشوداً كبيرة استمرت في التظاهر أمام السفارة الأميركية لدى لندن.
على صعيد المدن الأميركية، فقد شهدت مدينة نيويورك مسيرات احتجاجية ضخمة استكمالاً للحركة الاحتجاجية، حيث جابت شوارع المدينة تنديداً بمقتل فلويد، وذلك بعد يوم واحد من قرار عمدة المدينة إنهاء حظر التجوال. أما في مدينة لوس أنجلوس الواقعة في ولاية كاليفورنيا، فخرجت مسيرة احتجاجية ضخمة للتنديد بمقتل فلويد وبسلوك الشرطة الذي اعتبره المحتجون منافياً للدستور، فيما تدفّق المحتجون إلى حي «هوليوود» في المدينة تلبية لدعوة أطلقها ناشطون في حركة «حياة السود مهمة».

الكونغرس أيضاً
بالتوازي مع دعوات إصلاح الشرطة، كشف عدد من أعضاء الكونغرس «الديمقراطيين» اليوم، عن تشريع شامل يهدف إلى مكافحة العنف والظلم العنصريين اللذين ترتكبهما الشرطة. ومن المقرر أن يتخذ مشروع القانون المؤلف من 134 صفحة خطوات كبيرة تشمل السماح لضحايا سوء سلوك الشرطة بمقاضاتها للحصول على تعويضات وحظر تكبيل المعتقل بالضغط على رقبته وإلزام أفراد قوة إنفاذ القانون باستخدام كاميرات توضع في ملابسهم وفرض قيود على استخدام القوة المميتة، كما يسهل إجراء تحقيقات مستقلة مع مراكز الشرطة التي يرتكب أفرادها أنماطاً من سوء السلوك.