تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أخيراً عن تلويحه بنشر الجيش، إذ أمر بسحب قوات الحرس الوطني من العاصمة واشنطن، معتبراً أنّ الوضع صار تحت السيطرة بعدما شهدت الأيام الفائتة احتجاجات على صلة بمقتل جورج فلويد.ومن على منصة «تويتر»، قال ترامب: «أصدرت الأمر للتو إلى حرسنا الوطني بالشروع في الانسحاب من واشنطن بعدما صار كل شيء تحت السيطرة (...) ولكن بإمكانهم العودة سريعاً إذا اقتضى الأمر. متظاهرون عددهم أقل بكثير مما كان متوقعاً أمس (السبت) مساء».
وانتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وشهد أمس السبت تظاهرات حاشدة في مدن كبرى في أنحاء البلاد، بما في ذلك خارج البيت الأبيض، رغم سعي الرئيس الأميركي إلى التقليل من أهمية الاحتجاجات وحجمها. وتظاهر عشرات آلاف الأميركيين سلمياً في العاصمة. ولم يقع أي حادث خلال التجمع في العاصمة الفيدرالية على مقربة من البيت الأبيض الذي طوّق بأسلاك شائكة. وكان ذلك أكبر احتجاج حتى الآن على مستوى البلاد خلال 12 يوماً من التظاهرات في أنحاء الولايات المتحدة منذ وفاة فلويد.
وحملت تظاهرات أمس رسالة مشتركة، وهي التأكيد على تحويل الغضب الناجم عن وفاة فلويد إلى حركة تسعى إلى إصلاحات أوسع نطاقاً في نظام العدالة الجنائية الأميركي ومعاملته للأقليات.
من جهته، أعلن رئيس بلدية مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو، صباح اليوم الأحد إنهاء فرض حظر التجول الليلي في المدينة، وذلك قبل يوم من موعده الأصلي.

جرس إنذار لترامب
منذ تولى الرئيس دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة، اجتمعت عدة أزمات في البلاد، أهمها انتشار فيروس «كورونا» والتراجع الاقتصادي والاحتجاجات الجماهيرية على وحشية الشرطة إثر مقتل جورج فلويد، الأمر الذي أدى إلى أن يصبح الجمهوريون أكثر تشاؤماً بشأن المسار الذي تسلكه البلاد أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، أوضح استطلاع للرأي أجرته وكالة «رويترز/ إبسوس» الأسبوع الماضي أن 46% فقط من الأميركيين الذي يعتبرون أنفسهم جمهوريين يقولون إن البلاد تسير في الطريق السليم.
وهذه هي أول مرة ينخفض فيها هذا الرقم إلى هذه الدرجة منذ آب 2017 عندما أدى تجمع نظمه متطرفون يؤمنون بتفوق الجنس الأبيض، في ولاية فرجينيا إلى اشتباكات عنيفة مع محتجين مناوئين لهم. وحتى أوائل آذار الماضي، قبل أن يتسبب فيروس «كورونا» في قرارات العزل العام على نطاق واسع في مختلف أنحاء البلاد، كان نحو 70% من الجمهوريين يقولون إنهم «متفائلون بشأن مسار البلاد».
ولا تزال شعبية ترامب عند مستوى 40%، إذ لا تزال أغلبية كبيرة من الجمهوريين تستحسن أداءه بصفة عامة. غير أن الخبراء يقولون إن طول فترة التشاؤم بين أنصار ترامب ربما ينذر بضعف محتمل قبل انتخابات تشرين الثاني التي يواجه فيها نائب الرئيس السابق الديموقراطي جو بايدن.
كذلك، أوضح الاستطلاع أن 37% من الجمهوريين يقولون إن البلاد تسير في «طريق خطأ»، 17% قالوا إنهم «سيصوتون لمصلحة بايدن إذا أجريت الانتخابات الآن»، في حين لا يزال 63% «يعتزمون التصويت لمصلحة ترامب».
ونقلت «رويترز» عن المحلل المتخصص في الانتخابات بجامعة فرجينيا كايل كونديك، قوله إنه «ربما يجب أن يسبب ذلك قلقاً للرئيس ترامب، رغم أن من المعقول أن نقول إنه لا يزال يتمتع بتأييد قوي بين الجمهوريين». ويعتقد الجمهوريون أن انتعاشاً اقتصادياً في الخريف سيعزز فرصه في الانتخابات.

توتر ألماني ــــ أميركي
برزت مخاوف في ألمانيا بعد تقارير إعلامية تفيد بأن الرئيس الأميركي يعتزم خفض عديد الجنود الأميركيين المنتشرين في ألمانيا الذي يعدّ أبرز مركز تجمع للقوات الأميركية في دول «حلف شمالي الأطلسي». واليوم شدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، على أن التعاون الوثيق «خدم مصلحة البلدين»، مضيفاً في تصريحٍ لصحيفة «بيلد أم تسونتاغ» الألمانية، أضاف ماس إنه «إذا كان هذا سيؤدي إلى انسحاب جزء من الجنود الأميركيين، فقد علمنا ذلك»، وتابع: «نقدر التعاون مع القوات المسلحة الأميركية الذي تطور على مدى عقود. إنه في مصلحة بلدينا». لكن ماس أقرّ بأن العلاقات فترت في ظل رئاسة ترامب، وقال «نحن شركاء وثيقون في التحالف الأطلسي، لكن الأمر معقد».
وبينما بدت لهجة ماس هادئة، اعتمد سياسيون آخرون في برلين صيغة مباشرة أكثر، مشيرين إلى أن هذه الخطوة ستكون «ضربة قوية للعلاقات الألمانية ــــ الأميركية وخطراً محتملاً على الأمن». فالنائب يوهان واديفول، وهو مسؤول في حزب «الاتحاد الديموقراطي المسيحي المحافظ» الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل، اعتبر أن الخطة تظهر أن إدارة ترامب «تتجاهل واجباً أساسياً في القيادة وهو إشراك شركاء التحالف في عملية صنع القرار». وأضاف في بيان صدر أمس السبت، إن الصين وروسيا وحدهما المستفيدتان من «الخلاف» بين أعضاء «الحلف الأطلسي» و«على واشنطن أن تولي مزيداً من الاهتمام بذلك».
أما منسق الحكومة الألمانية لشؤون العلاقات عبر «الأطلسي» بيتر باير، فقد حذر بدوره، من أن خطة سحب حوالى 9500 جندي أميركي وعائلاتهم ستضعف «الجسور عبر الأطلسي». وأضاف باير في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (دي بي أيه) إن «العلاقة بين ألمانيا والولايات المتحدة قد تتأثر بشدة جراء مثل هذا القرار من الرئيس الأميركي».
من جهته، قال النائب رولف موتزينيش الذي يترأس كتلة الحزب «الديموقراطي الاجتماعي» في البرلمان الألماني إن خفض القوات الأميركية يمكن أن يؤدي إلى «إعادة تنظيم دائمة لسياسة الأمن في أوروبا».
التصريحات الألمانية تأتي بعدما كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد أفادت الجمعة الماضي، نقلاً عن مصادر حكومية في واشنطن، لم تسمّها، بأن «ترامب أمر وزارة الدفاع الأميركية بخفض عديد الجنود الأميركيين المتمركزين موقتاً أو بشكل دائم على الأراضي الألمانية إلى 25 ألفاً». ويقيم حالياً حوالى 34500 جندي مع أسرهم في إحدى القواعد العسكرية الأميركية البالغ عددها 21 في ألمانيا. ويمكن أن يصل العدد إلى 52 ألفاً أثناء تناوب الفرق أو المناورات.
في المقابل، رفض البيت الأبيض والبنتاغون تأكيد أو نفي معلومات «وول ستريت جورنال» التي تأتي في ظل توتر بين الحكومة الأميركية وحلفائها الأوروبيين في حلف الأطلسي بشأن اتفاقات تعاون. إذ تتهم واشنطن خصوصاً ألمانيا بعدم إنفاق ما يكفي من المال لحمايتها الذاتية.
وكان تقليص عديد القوات إحدى خطط السفير الأميركي السابق في برلين ريتشارد غرينيل المؤيد لترامب والذي استقال اخيراً من منصبه بعدما قاد لفترة وجيزة جهاز المخابرات الأميركية. وأثار غرينيل توتراً شديداً في ألمانيا بانتقاده للحكومة واعتباره أن الإنفاق العسكري الألماني «غير كافٍ».