انضم إلى عصابة «الهاغاناه» في عمر الـ15. وأصبح قائداً لوحدة عسكرية حين أتم عامه الـ20. اشتهر بقتل وتهجير أهالي قرية سلمة (قضاء يافا) في معارك النكبة عام 1948، فالتحق بوحدة النخبة لـ«الهاغاناه»، وبما أنها المدماك الأساسي للجيش الإسرائيلي، نال رتبة ملازم، وترقى سريعاً ليصبح نقيباً في لواء «غيفعاتي». أرسلوه إلى فرنسا في دورات أكاديمية عسكرية، فعاد برتبة عقيد ليلتحق بأرئيل شارون، في حرب النكسة عام 1967. بعد الحرب، أصبح قائداً للواء «غولاني»، وشغل منصب نائب قائد لجيش الاحتلال برتبة عميد، حتى نهاية حرب رمضان عام 1973. ولأنه أثبت كفاءة نادرة، ترأس القيادة الجنوبية في الجيش برتبة جنرال.كان قائد «مجموعة الإنقاذ» في مطار «عنتيبي» عام 1976، أثناء العملية الشهيرة. وهو المخطط لعملية «أوبرا» (قصف المفاعل النووي العراقي أوزيراك عام 1981). بعدها بعام، ذهب إلى الولايات المتحدة للدراسة، وعاد نائباً لرئيس الأركان، تحت قيادة رافائيل إيتان، ورئيساً لمديرية العمليات. أمّا عام 1982، وقع مناحيم بيغن قرار تعينه رئيساً لـ«الموساد» بدلاً من إسحاق هوفي، لكنه قُتل في اجتياح لبنان، قبل أن يتولى منصبه. هذا الجنرال القاتل اسمه ييكوتيل آدم. لكن كيف قتل؟
في العاشر من حزيران عام 1982، أي في اليوم الرابع من الاجتياح الإسرائيلي، كان آدم ومجموعة ضباط إسرائيليين يقودون نطاق العمليات من فيلا في بلدة الدامور الساحلية. تسلل فدائي إلى محيط الفيلا، وعند التأكد من وصوله، هاجم الفدائيون المكان بقذائف الهاون، هرب آدم وضابطان آخران، إلى الطابق السفلي من الفيلا، فأطلق الفدائي المتسلل النار على آدم ومن معه، فأرداه قتيلاً مع العقيد حاييم سيلا.
بعدما نفذت ذخيرة الفدائيين في محيط الدامور، وقع الفدائيون في الأسر وتفاجأ جنرالات الاحتلال أن جميعهم لا يتجاوز عمرهم الـ16 سنة. كانت صفعة كبرى، ولم تُكشف أسماء الأسرى حتى الآن. وفي عام 1989، نشرت الطبيبة النفسية والكاتبة الإسرائيلية أميا ليبليخ، كتاباً يحتوي على مقابلات مع جنود إسرائيليين شاركوا في الحروب، فكانت شهادة لعسكري في الطاقم الطبي اسمه يوخانان (اسم مستعار) يذكر فيها تعذيب الأسرى العرب والفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكيف أنه كان في أحد الأيام في زيارة إلى سجن يُنقل الأسرى إليه، وشاهد فتى لم يبلغ الـ15 من عمره معصوب العينين وقد تعرّض للضرب المبرح أثناء نقله، فأشار أحد الجنود إليه قائلاً: «هل ترى هذا الفتى؟ هو من قتل يكوتيئيل آدم».
آدم، هو أعلى رتبة قُتلت في الجيش الإسرائيلي. وكان من بين 100 ضابط وجندي إسرائيلي قتلوا خلال الأيام الستة الأولى من اجتياح لبنان. وفي اليوم التالي من قتله، أشارت صحيفة «الواشنطن بوست» حينها إلى أنه كان مرشحاً لمنصب قائد الأركان في جيش الاحتلال، لولا الكمين الفلسطيني.
■ ■ ■

عوزي آدم، نجل يكوتيئيل، التحق بالجيش وتولى قيادة المنطقة الشمالية واستقال من منصبه بعد عدوان تموز 2006، نتيجة الفشل في المعركة. وكأن العدوانية في الجينات وكذلك الفشل. إلا أن الأطفال الفلسطينيين أثبتوا منذ ما قبل النكبة، لا سيما في الثورات الفلسطينية ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية، أنهم مدافعون مندفعون وثابتون، من مخيم الرشيدية وأشبال الأر بي جي، إلى مخيم شعفاط. تاريخ طويل من طفولة فلسطينية مسلوبة. فمن الصعب أن ينمو الطفل بيولوجياً ونفسياً من دون أن يكون مقاوماً وهو تحت الاحتلال. وهذه الظاهرة يبدو أخافت يوني بن مناحم*، فكتب دراسة بعنوان «ظاهرة المراهقين الفلسطينيين الإرهابيين»، في مركز القدس للشؤون العامة. يشير فيها إلى أن «هناك قلقاً متزايداً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن تجنيد المراهقين يحظى بدعم اجتماعي واسع وشرعية دينية، وسيتوسع مع اقتراب الفلسطينيين من شهر رمضان (22 آذار - 20 نيسان 2023)». القلق هنا، ارتفع في الأسابيع الأخيرة، بعدما نفذ ثلاثة شبان فلسطينيين عمليات فدائية. منها إطلاق محمد عليوات (13 سنة) النار ضد مستوطنين في شرق القدس. ويفيد مناحم، أن الأسباب الفعلية لتجدد هذه الظاهرة:
-التحريض الوحشي من قبل السلطة الفلسطينية والمنظمات «الإرهابية» ضد إسرائيل واليهود على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً على موقعي «تيك توك» و«إنستغرام».
-التحريض في منظومة التربية والتعليم وفي التعليم المنزلي. تعمل حوالي 200 مدرسة في شرق القدس. معظمها يُدرّس منهاج السلطة الفلسطينية الذي يؤكد الرواية الفلسطينية للنكبة، ويتجاهل وجود دولة إسرائيل واتفاقات أوسلو، ويؤكد على أهمية القدس والمسجد الأقصى والنضال ضد الاحتلال.
-يساهم الآباء الفلسطينيون في التحريض وغرس الكراهية لإسرائيل واليهود في نفوس أطفالهم. وهم لا يُحصنون أبناءهم من التحريض. على العكس من ذلك، فهم يشجعون ثقافة الموت في أبنائهم، ويحتفلون بوفاة كل طفل ومراهق يُقتل خلال أي هجوم ويعلنونه «شهيداً».
-تؤيد القيادات الدينية في القدس هذه الظاهرة، والقيادات المجتمعية هناك والمسؤولون في السلطة الفلسطينية يمتنعون عن إبعاد الأطفال عن دائرة «الإرهاب». بالنسبة لهم، كل الوسائل مقبولة لمحاربة إسرائيل: يتم غسل دماغ الأطفال بإجماع مجتمعي واسع ومشوه وبشرعية دينية. ويعبرون حاجز الخوف بوعود كاذبة بأنهم سيصلون إلى الجنة.
وفقاً لمناحم، الاحتلال ليست له علاقة بما يشعر به الأطفال كبشر على أقل تقدير. فمن زاد أعداد الأيتام في الشعب الفلسطيني؟ ومن يزرع الخوف في نفوسهم في اقتحامات البيوت ومداهمات الشوارع؟ من يفرض على الطفل الفلسطيني الحبس المنزلي ويعتقلهم يومياً من مدارسهم. ينسى أو يتناسى مناحم، أنه في الزنازين الإسرائيلية أكثر من 150 طفلاً أسيراً. المشكلة مع هذا الاحتلال وأمثال مناحم، أنه يريد الأمور كلها لمصلحته دائماً. ولذلك لا بد من تذكيره أن الجنرال آدم كان طفلاً حين ارتكب المجازر في يافا وحيفا، ومن هذه القصص الكثير. وهناك فرق كبير أن تكون في حالة هجوم أو دفاع، والفلسطينيون في دفاع منذ أكثر من مئة عام.
* يوني بن مناحم: كاتب في الشؤون العربية ومعلق ديبلوماسي في راديو وتلفزيون إسرائيل، ومحلل بارز في شؤون الشرق الأوسط في مركز القدس. شغل منصب المدير العام ورئيس تحرير هيئة الإذاعة الإسرائيلية.