بعد مرور أربعين عاماً على جريمة كبرى لن يمحوها الزمن، تستعيد ذاكرة أهالي ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، ما حصل على مدار ثلاثة أيام، من القتل والذبح في أزقة المخيم التي كانت تقطر دماً، من هول ووحشية المجزرة. كان سمير جعجع، الذي لا يعرف مهنة سوى القتل والنهب والاغتيال والتجسس والتخريب، يتواصل مع الإسرائيليين طالباً منهم السماح له ولمجموعاته المسلحة بالبنادق والسواطير والبلطات وزجاجات الويسكي والشمبانيا، بالدخول إلى منطقة الفاكهاني والملعب البلدي، بزعم وجود نحو ألف مقاتل فلسطيني يمكن القضاء عليهم وعلى من يحتضنهم من أهالي المنطقة خلال 24 ساعة. لكن ناحوم أدموني، رئيس جهاز الموساد في ذلك الوقت، أرسل برقية عاجلة إلى ضباطه قال فيها: اطلبوا من جعجع الآن وفوراً، أن يوقف عمليات القتل والتصفية الجماعية، ويعود إلى مقره وينتظر أوامرنا.واستغرب جعجع هذه الأوامر التي تخالف ما تلقاه في بداية الهجوم على صبرا وشاتيلا، وما حصل في الاجتماع مع ضباط من الجيش الإسرائيلي، بحضور جيسي سكر، ضابط الارتباط بين القوات وجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الذي عرض على زئيف شيف، المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، الدخول إلى صبرا وشاتيلا، وعرض عليه سكيناً ليذبح بها وكذلك اغتصاب فتيات أعمارهن صغيرة (يذكر بأن جيسي سكر غادر لبنان بعد المجزرة، وعمل في إحدى الدول العربية مندوباً لشركة إسرائيلية تصنع الواقي الذكري).
وبالعودة إلى ذاك الاجتماع، وقبل انتهائه، وجّه أحد ضباط الموساد سؤالاً: بحال جاءت الموافقة على طلبكم، كيف يمكنكم التحقق من الأشخاص المتعاطفين مع الفلسطينيين في تلك المنطقة من غيرهم. فأجابوا: نحن لن نحقق معهم بل سنقتلهم. وهذا لم يفاجئ ضباط الموساد الذين يعرفون الحالة الإجرامية لهم، وبخاصة لدى مجموعة هنود الأباتشي التي تضم مجرمين مدمنين على مادة الكوكايين، يأخذون أوامرهم من الموساد عبر سمير جعجع صاحب العينين الجاحظتين المليئتين بالموت، والذي ينظر إلى الفلسطينيين والبيئة الحاضنة لهم، باعتبارهم قنبلة موقوتة يجب التخلص منها مهما كلف الأمر.
وعلى هذا الأساس، وخلال عمليات القتل في صبرا وشاتيلا، كانت هناك خطة أعدت على عجل، والمجموعات كانت جاهزة للتحرك من المواقع الإسرائيلية في المدينة الرياضية باتجاه الكولا، ومن البربير والدنا نحو الفاكهاني والملعب البلدي. لكن الإسرائيليين لم يوافقوا على التنفيذ، بسبب ضغوط دولية، كما قيل، فقالوا لعملائهم: نحن فقط من يخطط ويقرر، وأنتم مجرد أداة تنفيذية، ولا تنسوا بأنكم تعملون لدينا بأجر، وعليكم أن لا تنغروا بعلاقاتكم مع بعض الأنظمة العربية التي تتعامل معكم على قاعدة المال مقابل الجنس وخدمات مشابهة. وتذكروا دائماً أن العلاقة معنا مختلفة.
وحول الهدف من تلك الخطة، فإن الإسرائيليين الذين شاركوا وأعطوا أوامرهم وساعدوا جعجع ومجموعاته في صبرا وشاتيلا، لم يقتنعوا بتوقيت الخطة لتوسيع رقعة المجزرة جغرافياً مع عدم اعتراضهم على أهدافها، ومنها:
1- قتل وإرهاب اللبنانيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية.
2- تخويف وتهجير السكان.
3- جباية ضرائب وخوات من تلك المناطق.
4- السيطرة على طريق المطار ومحيطه.
5- تحويل الملعب البلدي إلى ثكنة عسكرية ثابتة.
6- جرف مخيمي صبرا وشاتيلا ومار الياس ونقل ما يتبقى من سكانهم إلى مخيم الجليل في بعلبك وبناء منازل لهم هناك بتمويل عربي.
7- تأجيج العداوات الطائفية بين اللبنانيين، وكذلك بين اللبنانيين والفلسطينيين.
لم تنفذ هذه الخطة لأسباب عدة، منها، صمود وثبات أهالي المنطقة، وصرخات وأنين الضحايا في صبرا وشاتيلا الذين ما زالوا يهتفون من مكان دفنهم الذي لم يتحول إلى مقبرة: لن نسامح وحوشاً بشرية كانوا يمارسون الرقص والغناء، ويلعقون خناجرهم وهم سكارى حول جثث لأجساد مقطعة ومكشوفة، وما زالت حتى يومنا هذا رائحة الدم وحرقة المجزرة تسكن تحت الرماد، وفي المخيم الذي ما زال يعاني من تداعيات المجزرة الأبشع في العصر الحديث، وإن سألت اليوم طفلاً في المخيم عن المجزرة يقول: أنا أول القتلى وآخر من يموت.
* كاتب وإعلامي