«طفح الكيل» وبلغت النفايات المحال التجارية. الكيل هي حاويات لا تكاد تسع نفايات ليوم واحد من نتاج مخيم برج البراجنة أمام مسجد الفرقان وساحة القدس لم تعد تسع النفايات بسبب إضراب عمّال «سيتي بلو» لمدة 4 أيام فقط. معالم جديدة تظهر أمام مخيم برج البراجنة أدت إلى تحويل السير من أمام مسجد الفرقان. جبل من النفايات غطى الشارع ليستقطب القطط والكلاب الضالة والقوارض. يتعايش سكان برج البراجنة مع النفايات ويحاولون التأقلم معها. فصاحب محل بيع الدجاج الذي يبعد 5 أمتار عن «الجبل» يغطي الدجاج ببعض من أوراق النايلون ظناً منه أنه يحميها من الانبعاثات والحشرات الناقلة للأمراض والروائح الكريهة المنتشرة. وأمّا جاره، فيشغّل أكثر من 3 آلات لتحميص المكسرات في الهواء الطلق. صاحب المحل (رفض ذكر اسمه) يعلم «الأخبار» أنه يفكّر في حرق هذه النفايات ليلاً للتخلّص منها قبل أن تصل إلى بابه.
أطفال المخيّم وجدوا أنفسهم مسؤولين عن التخفيف من القمامة التي تحاصرهم. بدأوا عمليات فرز لإيجاد القليل من المعادن لبيعها وسط غياب تام لوكالة «الأونروا» عن تحمّل مسؤولية يُجمع عليها لجان المخيّم وأهله. فهي تمارس دوراً شبيهاً في العديد من المخيمات الأخرى، إلا أنها في مخيم برج البراجنة تتولى فقط تجميع ونقل النفايات من داخل المخيم إلى الحاويات الموجودة على مداخله.
تقاذف للمسؤوليات بين البلديات و«الأونروا»؛ الأخيرة تتنصّل من هذه المسؤولية، إذ يشرح المتحدث باسمها، فادي الطيّار، لـ«الأخبار»، أن «مهام الأونروا تنحصر داخل المخيم من دون إيجاد مكان لتصريف النفايات التي تجمعها سوى في أماكن محاذية للمخيم ومتفق عليها مع بلدية الغبيري». أمّا رئيس اتحاد بلديات الضاحية، محمد درغام، فيحمّل «الأونروا» هذه المسؤولية: «منذ حكومة الحريري نطالب بشكل علني بتحمّل الأونروا مسؤولية نقل النفايات التي تجمعها من مخيم البرج إلى المكبات أسوة بما تفعله في مخيمات أخرى وذلك لتخفيف العبء على البلديات ولتحييد المخيمات عن المشاكل التي يمر بها لبنان». ويعتبر أن الاتحاد سيقوم بإزالة النفايات مرة أخرى في حال تكرّر إضراب العمّال لكن بسبب ضعف الإمكانيات يتطلب الأمر عدة أيام. ويشدد درغام على «عدم تصوير مسألة التأخر على أنها موجهة ضد المخيمات فالعديد من المناطق في الضاحية الجنوبية لم ترفع منها النفايات بعد».
غياب تام لوكالة «الأونروا» عن تحمّل مسؤولية تُجمع عليها لجان المخيّم وأهله


أهالي المخيم لا يمكنهم التواجد أكثر من 5 دقائق في مسجد الفرقان الملاصق لمكب النفايات لأداء الصلاة مع امتزاج الهواء برائحة كريهة يصعب تحمّلها. حال الفلسطيني اللاجئ في لبنان كحال غريق يتعلّق بغريق آخر. فعودة صور أكوام النفايات لتتصدّر نشرات الأخبار في لبنان وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد حكراً على اللبنانيين إنما وصلت إلى مخيمات اللجوء الفلسطيني. هذا الأخير تآخى مع اللبناني حتى في مشكلة النفايات المتراكمة والسموم التي يتنفسها. وأصبحت النفايات تشارك الفلسطينيين منازلهم، بحسب تعبير مسؤول اللجان الأهلية في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان محمد الشولي. الأخير يعتبر أن الأزمة لم تنته، فهي ستظهر مع أي إضراب جديد للموظفين أو أي أزمة تعصف بهذا القطاع في لبنان. ويعتبر أنه «من غير المنطقي أن يتم جمع النفايات في مكبين فقط لتجمّع بشري يفوق الـ 25 ألف نسمة من الفلسطينيين والسوريين الذين يسكنون في المخيم».
من جهته، الخبير البيئي، ناجي قديح، يحذّر من الاعتياد على هذه المشاهد التي تؤثّر في المنطقة المحيطة لعدة سنوات مقبلة بسبب تلوّث التربة والمياه الجوفية بفعل تسرّب عصارة هذه النفايات. وبحسب قديح، فالأمر «لا يتطلّب بضع ساعات لتؤثّر هذه النفايات في المحيط بفعل عمليّة تفكّك المواد التي تكون غالبيتها عضوية». وما يزيد الطين بلة، هو قرب محال المأكولات التي تغذي المخيم بالقرب من المكب مما يؤكد توسع رقعة تأثير هذه النفايات إلى جانب ضيق المساحة واكتظاظ السكان مما يسبب انتشار أمراض وحشرات وقوارض سيكون لها الأثر السيئ على صحة السكان وسلامتهم.
في المحصلة، وبعيداً من تقاذف المسؤوليات، فإن ما يجري اليوم يجعلنا نتوقف أمام الآليات المتبعة للتخلص من النفايات في المخيمات. فهل ستتحمل «الأونروا» هذه المسؤولية أم أننا سنشهد الأزمة تتفاقم في مخيمات الضاحية الجنوبية في مطلع الشهر المقبل؟