قوبل بيان الأدميرالات الـ 104 بردود فعل حادّة من جانب أركان سلطة «حزب العدالة والتنمية»
في هذه الأثناء، توجَّهت الأنظار مباشرة إلى مُسبّب شرارة الأزمة، أي رئيس البرلمان، مصطفى شنطوب، الذي اتّهم الأدميرالات بالتسبُّب بالفوضى، قائلاً إن الدولة «تخوض معركة لا هوادة فيها مع أعداء الوطن والأمّة في الداخل والخارج». ولفت إلى أن «الأمّة التركية وجّهت في 15 تموز/ يوليو 2016 ضربة ليس لجماعة غولن فحسب، بل لكلّ عشّاق الانقلابات. فالتعبير عن الرأي شيء، وبيان يدعو إلى انقلاب شيء آخر». رَبْط البيان بفكرة الانقلاب لم يَغِب عن تصريح وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، الذي اعتبر أن حديث الأدميرالات يستحضر لغة المؤامرة، مشيراً إلى أنه «لا تأثير لقناة إسطنبول على مونترو، ولا تأثير لمونترو على قناة إسطنبول. إنه بيان بلغة الإنذار. ويحاولون إظهار العصا من تحت العباءة. ولو كانوا في الخدمة، لكان عملهم نوعاً من الانقلاب. لكن كونهم خارجها، فلسان حالهم: لسنا في الخدمة، لكنّنا ندعو إلى الانقلاب». وكانت وزارة الدفاع التركية أوّل مَن ردَّ على البيان، بالقول إن «مثل هذا البيان لن يفيد بشيء سوى في إلحاق الضرر بالديموقراطية»، فيما وصف الناطق الرئاسي، إبراهيم قالين، «مجموعة العسكريين المتقاعدين» بأنهم «يحنّون إلى عهد الانقلابات وهم تعيسون ومثيرون للضحك. أمّتنا لن تسمح لمثل هؤلاء بالمرور إلى شهواتهم وأطماعهم». من جهته، اعتبر نائب رئيس «العدالة والتنمية»، نعمان قورتولمش، البيان «فضيحة»، داعياً الأمّة إلى التحرُّك سريعاً ومن دون تأخير إلى وضع حدٍّ لهذه المجموعة.
وفي اليوم التالي لبيان الأدميرالات المتقاعدين، تداعى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وأركان حربه وسِلمه إلى اجتماع في رئاسة الجمهورية بعدَ ظهر يوم أمس، استغرق أكثر من ساعتين. واتّهم إردوغان المُوقّعين بوجود نيّات مغرضة لديهم، وبأنهم لم يقفوا يوماً مع الجيش في حروبه الخارجية. وقال إن «البيان مرفوض كليّاً، ولا يعبّر عن حقّ التعبير»، مضيفاً إنه «جزء من حملة واسعة تستهدف تركيا»، ومتّهماً «حزب الشعب الجمهوري» المعارِض بأنه «معادٍ للديموقراطية، ويستهدف استقرار تركيا واقتصادها». ووعد المُوقّعين بأن «ينالوا عقابهم»، معتبراً أن بيانهم «يشكِّل تهديداً للدستور». كما أعلن أن تركيا تُواصل الالتزام بـ»اتفاقية مونترو»، رافضاً الربط بينها وبين «قناة إسطنبول». كذلك، برزت ردّة فعل حادّة من جانب رئيس «حزب الحركة القوميّة»، دولت باهتشلي، الذي دعا إلى نزع الرتب العسكرية من موقّعي البيان وقطع الراتب التقاعدي عنهم وكلّ الحقوق التي يكفلها لهم القانون.
وفي الاتّجاه نفسه، تساءل الكاتب أحمد حاقان عمّا يقصد المُوقّعون بتحذيرهم ممّا يمكن أن يُجلَب على الجمهورية من مخاطر، وما إذا كان ذلك تهديداً من جهات عليا خلف الستار، وعن الطريقة التي اجتمع فيها الأدميرالات، ولماذا هذا العدد الكبير (104)، ولماذا كلّهم من القوّات البحرية، وهل هذه مسألة بحرية أم وطنية؟ وكتب فاتح تشيكيرغه، من جهته، أن تركيا تعبت من مثل هذه البيانات، داعياً إلى «تعزيز الديموقراطية وليس إيذاءها». وجاء الاتهام الأكبر للمجموعة بأنها تحت الحماية الأميركية، على لسان رئيس التحرير السابق لـ»يني شفق»، إبراهيم قره غول، الذي اعتبر أيضاً أن إسرائيل شريكة لها في بيانها الذي يُعتبر «تهديداً داخلياً» يهدف إلى «وقف تقدُّم تركيا». ويرى البعض، في هذا الإطار، أن الولايات المتحدة واجهت مأزقاً في أوكرانيا حيث لا منفذ بحريّاً لكييف سوى على البحر الأسود، ما يعرقل حركة أميركا لمساعدة حليفتها، وخصوصاً أن «مونترو» تفرض قيوداً على الحركة العسكرية للقوى التي من خارج البحر الأسود، فكان الضغط الأميركي عبر بيان الأدميرالات على إردوغان.
وبرز من أطراف المعارضة تعليق رئيسة «الحزب الجيّد»، مرال أقشنر، التي وصفت البيان بـ»الغبي»، قائلةً إن «تركيا انتهت من هذا منذ وقت طويل. لا يحقّ لهؤلاء القيام بذلك، ورئيس البرلمان قال إنه قد فُهم خطأ». في المقابل، انتقد «حزب الشعب الجمهوري»، على لسان الناطق باسمه، السلطة التي تُحرِّم على غيرها حريّة التعبير، مستنكراً اعتقال جيم غوردنيز. وقال إن «محاولة إردوغان الظهور بمظهر ضحيَّة محاولة انقلاب جديدة لن تمرّ على أحد، وهي مسرحية قد سبق عرضها. إذا كانوا يريدون عدم حدوث انقلابات، فعليهم تطهير الجيش من الضبّاط الذين يرتدون الجبّة الدينية»، داعياً إلى سحب «مونترو» من النقاش. وفي هذا الإطار، وقّع 124 نائباً سابقاً ينتمون إلى «حزب الشعب الجمهوري» اليساري العلماني عريضةً جاء فيها أنه لا يمكن مناقشة «اتفاقية مونترو»، كما لا يمكن شقّ «قناة إسطنبول»، مقدِّمين دعماً كبيراً للأدميرالات المتقاعدين. واتهمت العريضة إردوغان بـ»العبث بالأسس التي قامت عليها الجمهورية، وبتعريض سيادة البلاد للخطر». كما أصدر 126 سفيراً متقاعداً بياناً مناهِضاً لـ»قناة إسطنبول» ولفتح النقاش حول «مونترو»، وداعماً للأدميرالات. وتساءلت صحيفة «جمهورييت»، في افتتاحيتها أمس، عن سبب القلق الذي ينتاب حزبَي «العدالة والتنمية» و»الحركة القومية» من هذا النقاش، لتقول إن الهستيريا تأتي نتيجة تراجُع شعبية الحزبَين، اللذين صعّدا نبرة اتهاماتهما، علّها تعيد لهما شعبيَّة تتناقص.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا