استفاد «اليمين المتطرّف» من ترهل «يمين الوسط» وانشقاقات «اليسار»
ويرى الخبراء أنّه على الرغم من المعركة غير المتكافئة بين بولسنارو وحداد، إلا أن الأخير استطاع مفاجأة خصومه رغم دخوله متأخّراً إلى حلبة المواجهة. تأخيرٌ فرضه القضاء الذي تلكأ في إصدار حكمه النهائي في ترشح دا سيلفا. لكن «كاريزما» حداد وحضوره، إضافةً إلى سجلّه السياسي الناجح، كل ذلك حوّله إلى منافس شرس. فحداد وازنٌ على اعتباره وكيلاً لدا سيلفا من جهة، وبين حضوره الشخصي من جهةٍ أخرى. توازنٌ أظهره مشروعه الانتخابي الذي بدت فيه لمساته التغييرية، وتميّزه عن أسلافه في التعاطي مع الشأن الاقتصادي. هذا التمايز لم يمسّ إرث حزبه في إيلاء الشأن السيادي أهميّةً قصوى؛ وعليه، لم يتردد في إعلانه أنّه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية سيحرم الولايات المتحدة الأميركية أطماعها في سلب ثروات البرازيل النفطية.
«اليساريون» السابقون رفضوا دعم حداد، بل أمعنوا في توجيه السهام إلى حليف الأمس. إذ توالى المرشحون الثلاثة: سيريو غوميز، ومارينا سيلفا، وغيليرمي بولوس على إشعال مراكب حداد دون الالتفات إلى أن هذه الحرب تصبّ حكماً في مصلحة عدوّهم المشترك جايير بولسنارو، الذي حصد عشر نقاطٍ إضافية، خمسة بفعل محاولة طعنٍ فاشلة تعرّض لها أثناء حملته الانتخابية، وخمسة أخرى وهبه إيّاها القاضي سيرجيو مورو، بعد أن تعمّد نشر اعترافات الوزير «العمّالي» السابق أنطونيو بالوسي، التي اتهم فيها حزبه بالفساد وهدر المال العام. ومع ارتفاع حظوظ بولسنارو أو «ترامب البرازيلي»، كان لافتاً تدخّل جهاتٍ اقتصادية لتعزيز العملة المحلية، لتشكّل «هبةً» أخرى تضاف إلى الهبات التي من شأنها تسهيل فوزه بمنصب الرئاسة.
استفاد «اليمين المتطرّف» من ترهل «يمين الوسط»، وانشقاقات «اليسار» المتتابعة. واستطاع عبر خطاباته المتشددة جذب «التيّار الإنجيلي» المتصاعد، الذي حوّل الكنائس والأديرة إلى منصات انتخابية يكلّلها «التكليف الشرعي» بعد وعد أطلقه بولسنارو بإقفال السفارة الفلسطينية في برازيليا، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة. كذلك انضمت الشركات الكبرى والمتاجر الشهيرة إلى دعم بولسنارو خوفاً من عودة «العماليين» ــ الذين على الرغم من جراحهم النازفة ـــ ما زالوا يشكّلون خطراً حقيقياً على المشروع المتطرّف وامتيازاته الداخلية والخارجية. هذا المشهد يقود إلى خلاصةٍ تدع إلى إيقاف هذا المدّ «اليميني» الخطير، والمرهون بإعادة القواعد الشعبية رؤاها السياسية في مناخٍ عقلانيٍّ ومتأنٍّ، وهي تمنّيات أطلقتها جموع المفكرين والفنانين والكتّاب، لتجنيب البلاد أكبر كارثة تلوح في أفقها.