في إطار متابعة الدعوى التي تقدَّمت بها حكومة جنوب أفريقيا أمام «محكمة العدل الدولية»، في كانون الثاني الماضي، ضدّ إسرائيل بتهمة مخالفة «اتفاقية منع الإبادة الجماعية»، وعطفاً على مطالبات سابقة من قبل الدولة الأفريقية، خلال شهري شباط وآذار الماضيَين، ومن بينها دعوة المحكمة إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة، بدأت الهيئة الدولية، أمس، النظر في دعوى جديدة ضدّ الكيان، تشمل المطالبة بإجراءات مؤقتة إضافية في شأن الهجوم الإسرائيلي على رفح جنوبي قطاع غزة، وتعديل التدابير التي سبق أن حدّدتها المحكمة حول هذه القضية.
خلصت المحكمة إلى أن الإجراءات الاحترازية المقرّة سابقاً من جانبها، لم تعالج التداعيات الناتجة عن ظروف الحرب



تحديث حول الجرائم الإسرائيلية
قبل الاستماع إلى مرافعة الوفد الجنوب أفريقي، ضمن جلسات استماع إلى وفدَي الادعاء والدفاع بين الـ16 والـ17 من الجاري، أكد رئيس «العدل الدولية»، نواف سلام، ومن مقرّها في لاهاي، أن المحكمة خلصت إلى أن الإجراءات الاحترازية المقرّة سابقاً من جانبها، لم تعالج التداعيات الناتجة من ظروف الحرب، داعياً حكومة بنيامين نتنياهو إلى اتّخاذ الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى سكان قطاع غزة، وضمان عدم قيام جيشه بارتكاب أيّ انتهاك لأيٍّ من حقوق الفلسطينيين.
ومنطلقاً من التصعيد العسكري الإسرائيلي في مدينة رفح «الأكثر خطورة» منذ بدء الحرب، حيث يقطن أكثر من مليون ونصف مليون شخص، وخطورة تشديد الجانب الإسرائيلي إجراءات الحصار ومنع تدفّق المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر معبرَي رفح وكرم أبو سالم، بما يعنيه ذلك من «تهديد وجودي للفلسطينيين، لا يقلّ خطورة عن نكبة عام 1948»، باعتبار ذلك مبرّراً لعودة بريتوريا إلى مطالبة المحكمة بإصدار قرار بفرض إجراءات احترازية إضافية في قطاع غزة، أكد الفريق القانوني الممثّل للجهة المدعية، أن «هناك أدلة كثيرة وواضحة» تؤكد نيّة إسرائيل ارتكاب إبادة جماعية في غزة، من بينها مواصلتها قصف مناطق يصفها الجيش الإسرائيلي بـ«الآمنة»، إضافة إلى قوافل الإغاثة. وناشد أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة العمل بشكل عاجل وفوري لـ«منع إسرائيل من مواصلة ارتكابها تلك الإبادة قبل فوات الأوان»، مستهزئاً، في الوقت نفسه، بمزاعم الجيش الإسرائيلي حول احترامه للقانون الدولي، وانكاره انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية.
كمّا عرّج على تفاقم الوضع الإنساني في عموم غزة، ومدينة رفح خصوصاً، سواء من منطلق توصيف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الوضع بـ«الأسوأ خلال الخمسين عاماً الماضية»، أو بالاستناد إلى تقارير جهات حقوقية دولية موثوقة تحمل المضامين نفسها، وذلك بعدما دفعت القوات الإسرائيلية، خلال الأشهر القليلة الماضية، أكثر من مليون فلسطيني إلى النزوح إليها. وتوقّف الوفد عند وجود «سمات عدّة» في السلوكيات الإسرائيلية تندرج ضمن خانة «ممارسة الإبادة الجماعية»، من قبيل اتباع تكتيكات التجويع والحصار في مختلف مناطق القطاع، إلى جانب إغلاق معبرَي رفح وكرم أبو سالم، فضلاً عن تدمير معظم المستشفيات، للتأكيد أن تلك السمات تشير إلى وجه شبه بين المجازر المرتكبة في غزة ومجزرة سربرنيتشا، وللجزم بانطباق حيثيات قرارات صادرة عن «العدل الدولية» في قضايا متعلّقة بحرب البوسنة في التسعينيات، على وقائع العملية الإسرائيلية في القطاع. كما توقّف الوفد عند سلسلة تصريحات لقادة ومسؤولين إسرائيليين، ومن بينها بيانات رسمية لنتنياهو، ووزراء في حكومته، لتأكيد توفّر عامل النيّة لدى هؤلاء لارتكاب إبادة بحقّ الشعب الفلسطيني.
ونبه الوفد إلى أن «ما يجري الآن في رفح يشير إلى خطوة إسرائيل الأخيرة نحو تدمير قطاع غزة»، بالنظر إلى أن المدينة تُعدّ المنطقة الوحيدة في القطاع، التي لا يزال يتوفّر فيها حدّ أدنى من مقومات الحياة، بخاصّة المستشفيات، مضيفاً أنه لا مكان آمناً في غزة. ولفت إلى أن «حقّ الدفاع عن النفس لا يعطي أيّ طرف الحقّ في استخدام القوّة بلا حدود، أو القيام بعمليات قتل لشعب بأكمله»، مذكّراً هيئة المحكمة بأن «قراراتكم السابقة، في كانون الثاني، لم تفلح في حماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية». وأوضح الوفد أن ما يجري في غزة يدعو إلى السخرية من القانون الدولي، مشدّداً على أن إيقاف العمليات العسكرية في غزة ضروري، وينسجم مع التوصيات السابقة الصادرة عن «محكمة العدل الدولية».

توصيات الفريق الجنوب أفريقي
وفي ختام الجلسة، تلى مندوب جنوب أفريقيا، وسفيرها لدى هولندا، فوسيموزي مادونسيلا، سلسلة الإجراءات الاحترازية الإضافية التي تطلبها بلاده من المحكمة، والتي تم تعديلها وإعادة في ضوء تصاعد الهجمات الإسرائيلية على مدينة رفح، ومواصلة الجيش الإسرائيلي قصف مختلف مناطق القطاع، بخاصة في الشمال:
أولاً: الطلب إلى «دولة إسرائيل، كدولة طرف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وكجهة طرف في هذه المرافعات، وبموجب واجباتها بحسب قرارات المحكمة في الـ26 من كانون الثاني، والـ24 من آذار من العام الجاري، بأن توقف عمليتها العسكرية في غزة، بما في ذلك في رفح، وأن تنسحب من معبر رفح، وأن تسحب الجيش فوراً، ومن دون قيد أو شرط، من قطاع غزة بالكامل».
ثانياً: الطلب إلى إسرائيل «وبموجب واجباتها وفقاً للإجراء الاحترازي الرابع في الـ24 من آذار، والفقرتين ألف وباء من البند الثاني في قرار المحكمة الصادر في آذار من العام 2024، بأن تتّخذ كافة الإجراءات والتدابير لضمان وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية من دون أيّ عراقيل»، مع مطالبتها بـ«العمل على ضمان دخول المسؤولين الأمميين وغيرهم من المعنيين بالأعمال الإغاثية للفلسطينيين، إضافة إلى لجان تقصّي الحقائق، وأعضاء الهيئات ذات التفويض الدولي في هذا الخصوص، فضلاً عن المحقّقين والصحافيين بما يمكنهم من توثيق كافة الظروف في الميدان في غزة، والحفاظ الفعّال على الأدلة»، إلى جانب مطالبة الجانب الإسرائيلي بـ«التأكد من أن قواته لن تمنع هذا الحقّ في الوصول لهؤلاء، وكذلك الحفاظ على الأدلة».
ثالثاً: الطلب إلى إسرائيل «تقديم تقرير مفتوح للمحكمة، وفي غضون أسبوع من إصدار المحكمة لقرارها في هذا الخصوص، حول كل التدابير المتخذة لوضع هذه الإجراءات الاحترازية الإضافية موضع التنفيذ»، فضلاً عن «تقديم تقرير مشابه حول كل التدابير المتّخذة لوضع الإجراءات الاحترازية السابقة التي كانت قد طالبت بها المحكمة موضع التنفيذ، وذلك في غضون شهر من صدور قرار المحكمة».