غزة | انسحب جيش الاحتلال من حيّ الزيتون جنوب مدينة غزة، ليل الثلاثاء - الأربعاء، بعد اجتياح بري له استمر ستة أيام، وجاء بصورة مباغتة، وفق ما أفاد به الأهالي، حيث لم تلقِ طائرات العدو مناشير تطالبهم فيها بإخلائه إلى أي منطقة أخرى في المدينة، كما حصل في حالات أخرى. وفوجئ الأهالي بتوغّل أعداد كبيرة من الدبابات من الجهتين الشرقية والغربية للحيّ، في ما بدا كأنه عملية خاطفة تهدف إلى الإطباق على هدف ما، أو تأتي رداً على الاستهداف المكثّف لمحور «نتساريم» انطلاقاً من الحيّ، إذ تقع أحياء الزيتون والصبرة والشيخ عجلين وتل الهوا، على خط التماس مع نقاط العدو المستحدثة هناك، فيما يقدر جيش العدو أن مفارز الهاون التابعة للمقاومة تنطلق من المساحات المحيطة بتلك الأحياء.على أن العملية البرية الثالثة التي تطاول الحيّ لم تحقّق أي إنجاز يذكر، سوى تدمير المئات من المنازل ومراكز الإيواء والمرافق العامة. ويقول أبو نبيل شلدان، لـ«الأخبار»، إن «العدوّ حاول مراراً منذ الأيام الأولى للحرب أن يكسر حيّ الزيتون. حاول عشرات المرّات التقدّم في نطاق محدود، وقصف الحي بشكل يومي. وهذا التوغّل هو الثالث من نوعه، لكنه الأوسع والأكبر من ناحية الكثافة النارية (...) غير أنهم لم يحقّقوا أي منجز، سوى مسح مربعات سكنية وحارات واسعة عن وجه الأرض. التدمير فقط هو ما يفلح فيه العدو».
في شوارع الحي الذي عاد الآلاف من سكّانه إليه لتفقّد منازلهم، تحكي ملامح العائدين إلى مناطق المصلبة وشارع النديم ومنطقة المستوصف ومحيط محالّ طافش الكثير. يقول الحاج أبو ياسر الذي التقته «الأخبار»، بينما كان يحمل بعض الأغطية والأخشاب بالقرب من مسجد الشافعي المدمّر: «هذا ما تبقى من بيتي. شقاء 40 سنة دُمّر في دقائق. ماذا يريدون منا؟ نرحل عن الأرض؟ لا والله لن نرحل، سأجمع أولادي غداً وأبني خيمة على ركام المنزل وأعيش ما تبقى من عمري هنا. ولن أترك حيّ الزيتون».
العملية الثالثة في «الزيتون» لم تحقّق أيّ إنجاز يذكر، سوى تدمير المنازل ومراكز الإيواء والمرافق العامة


أما نبيلة الدحدوح، وهي طبيبة تسكن شارع النديم، كانت «الأخبار» قد التقتها أثناء نزوحها من الحي برفقة أبنائها الثلاثة، فتقول إنها «لم تخرج من حيّ الزيتون ولا مرة منذ بداية الحرب، لكن هذه المرة كانت مغايرة جداً، فالأحزمة النارية لم تتوقّف لحظة واحدة، وكذلك القصف المدفعي. اضطررت إلى المغادرة لأنني شعرت بأن البقاء هنا مع الأولاد خطير جداً (...) ما يحدث في حيّ الزيتون هو انتقام وإبادة للحيّ الصابر الصامد الذي وقف أهله سداً منيعاً في وجه التهجير».
من الناحية الميدانية، أظهر الأداء القتالي للمقاومين في الحيّ خلال الأيام الستة للتوغّل، مستوى متقدماً من العمل العسكري، حيث اعترف العدو خلال فترة الاجتياح بمقتل 4 جنود وإصابة العشرات فيه، فضلاً عن أنه انسحب منه في الليل تحت ضربات المقاومة المركّزة. وبدا واضحاً أن الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، كانت تترقّب اجتياحاً مفاجئاً في تلك المنطقة، وأعدّت، في انتظار ذلك، عدداً من الكمائن القاتلة في المفاصل التي كانت تتوقّع أن يتم التوغّل فيها، ما ساهم في مراكمة الخسائر البشرية وتفريغ العملية من مضمونها العملاني. ويقول مصدر مقرب من المقاومة إنه «منذ سبعة أشهر، يدور العدو في دائرة مفرغة. هدف القضاء على المقاومة يرتد عليه بطريقة عكسية. المقاومة تجوّد أداءها، وتطوّر قدراتها، وتستطيع بفضل ما راكمته من مراقبة لسلوك العدوّ توقّع خطواته التالية، وحتى توقّع الأماكن التي سيعسكر فيها».