اتفاق تتخلّى بموجبه «حماس» عن الأسرى الإسرائيليين بلا التزام وضمانات كاملة بإنهاء الحرب، هو وصفة كارثية للمقاومة
كذلك، فإن رفض الأطراف الوسيطة اجتياح رفح، لا يتعلّق بما سينجم عنه من واقع إنساني خطير، بل باحتمال أن يتسبّب هذا الواقع في اجتياح فلسطيني مدني للحدود في اتجاه سيناء المصرية، وهو ما ستكون له تداعيات على مصالح واشنطن، وحتى على مصالح تل أبيب - بحسب الرؤية والتقدير الأميركيين -. أما الأطراف الأخرى، من «وسطاء» وغالبية رافضي الحرب في المنطقة وخارجها، فلا كثير كلام إزاءها، كونها مجرّد أدوات في أيدي الولايات المتحدة، تتحدّد مصالحها وسياساتها وفقاً للرغبة والإرادة الأميركيتين. ومع هذا، وإلى ما قبل إعلان «حماس» قبول المقترح المصري، تمثّل التوجّه الإسرائيلي، سياسيّاً وميدانيّاً ووفقاً للسردية الإعلامية، في الاعتماد على خطّة اجتياح رفح لدفع «حماس» إلى التراجع عن مواقفها المتصلّبة، في اتجاهَين اثنَين:
- التهويل بالتسبُّب في معاناة غير مسبوقة للمدنيين الفلسطينيين، بما يدفع «حماس» إلى تخفيف مطالبها في الاتفاق على صفقة تبادل أسرى.
- اجتياح شرق رفح، كمرحلة أولى، بما يشمل المعبر الذي لا تريد إسرائيل أن تنهي حربها على غزة من دون السيطرة عليه، مع إمكانية تطور هذه العملية لاحقاً، وفقاً لِما ستؤول إليه الأمور، سياسيّاً وميدانيّاً.
في المقابل، تمثَّل موقف «حماس» في منع أيّ اتفاق يهدف إلى تجريدها من رافعة الضغط الموجودة لديها، وهي الأسرى الإسرائيليون، مقابل عائد مؤقت ومحدود لا ينهي الحرب. كما كان واضحاً أن الحركة تعمل على منع تشكُّل واقع لاحق يلي الهدنة، يكون شبيهاً بما هو قائم الآن، مع فارق أنه لن يكون ثمة أسرى بيدها. وكيفما اتّفق، فإنه لا مسوغ ولا منطق ولا مصلحة ملحوظة لـ«حماس»، في قبول مسودة اتفاق ما لم تكن قد تحصّلت على ضمانات كاملة بإنهاء الحرب، خصوصاً أن الحركة تدرك أن الهدنة المؤقتة مع التخلّي عن ورقة الأسرى، ستدفع إسرائيل إلى فعل ما تهدّد به الآن، أي اجتياح رفح لاحقاً، من دون أيّ ضغوط داخلية عليها.
كيف سيتشكّل الواقع ميدانيّاً وسياسيّاً في اليومَين المقبلَين؟ يبدو أن العملية العسكرية في رفح، وتحديداً في شرقها وصولاً إلى تخوم المعبر، مرجّحة إلى حدّ كبير - وفقاً لما ظهر أمس -، مع تجاذب في التقدير حول إمكانية أن تنسحب العملية لتشمل إضافة إلى شرق طريق صلاح الدين حيث المناطق المبنية محدودة جداً، غرب الطريق حيث ثمة قرابة مئة ألف مدني. وعلى أي حال، ترى إسرائيل في تلك الخطوة إجراءً ضرورياً للسيطرة على المعبر من الجانب الفلسطيني، ربطاً باليوم الذي يلي الحرب، وأيضاً لزوم أيّ نزول إسرائيلي عن الشجرة الطويلة جدّاً التي تسلّقتها تل أبيب.