الشيخ شفيق جرادي * عند زمن الطائفيّة والفتن والعصبيّات القاتلة، بل القتّالة. علينا التوقّع أنّنا في زمن السوء والظن والصور السلبيّة المُسبقة التي يحملها كلّ طرف تجاه الآخر، بل بلغةٍ أدق، التي يسعى ليصوغها ويحملها كلّ طرف تجاه الآخر.
وعلينا أيضاً أن نعي وجوب دخول معركة التسامح وكسر أصر العصبيّة وأغلالها، وأوّل الغيث في مثل هذا الحراك هو بيان الذات أمام الآخر.
قد يقول قائل: إنّ التاريخ شهد دفقاً غير عاديّ من عمليّة الحوار وإيضاح معالم الذات والموقف أمام الآخر، وخاصّة في ما يرتبط بالعلاقة بين السنّة والشيعة. إلّا أنّه برغم ذلك، نشهد اليوم عودة لاستحضار كلّ ما كنا قد اعتقدنا أنّنا تجاوزناه.
تجاوزناه في قراءاتنا العقائديّة التي أسفرت عند كلّ جهة أن تتهم الأخرى هذه بالنواصب وتلك بالروافض.
تجاوزناه في قراءاتنا السلوكيّة والأخلاقيّة والشرعيّة من اتهامات تطاول التديّن والغلوّ والتحلّل، بل طاولت أموراً ترتبط بالشرف والأعراض والوفاء، إلى درجة أنّ بعض أهل العصبيّات اتهم مذهباً إسلاميّاً بأنّهم من دين آخر غير الإسلام.
هنا، أجد نفسي أمام سيل الاتهامات التي يسوقها البعض للشيعة بغية شيطنة التشيّع وأبلسة الشيعة، أن أتحدّث قليلاً عن التشيّع؛ إذ خاطئ من يعتقد أن أهل التشيُّع هم مذهب خاص ومحدَّد، وذلك لسببين:
الأوّل: ما ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام من أنّ بعض الناس تحدّثوا عن أنفسهم وأعلنوا لعليّ بن أبي طالب أنّنا شيعتك فأجابهم أنتم أصحابي ولستم شيعتي فإنّ «شيعتنا هم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل، الناطقون بالصواب، مأكولهم القوت، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع»1.
الثاني: أنّ من يُعرفون بالشيعة اليوم في إيران والعراق ولبنان هم «الجعفريّة»، أو «الاثني عشريّة» نسبة إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ونسبة إلى اعتقادهم بأنّ الذي يخلف رسول الله هم اثنا عشر إماماً أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي. وهؤلاء، بلا شك، هم من الشيعة، بل هم المذهب الأكثر انتشاراً في الشيعة.
لكن، هناك مذاهب أخرى كالزيديّة وغيرها ينتسبون إلى الشيعة... فالشيعة هم المنتسبون إلى التشيُّع، والتشيُّع يعني خاصّة أهل الجماعة والاعتقاد. فإذا كان السنّة يعتبرون أنفسهم أهل «السنّة والجماعة»، فإنّ خاصّة أهل «الجماعة المسلمة» هم الشيعة. وهذا هو المعنى اللغويّ للشيعة والمدلول الاعتقاديّ عندهم.
إنّ التشيُّع هو الإطار الجامع لكلّ من حمل قضيّة الرسالة المحمديّة، وبذل مهجته في سبيل حفظ ذكر رسول الله محمّد (ص)، وقد كان أوّل من فعل ذلك السيدة الزهراء عليها السلام شهيدة الولاية وحفظ ذكر وسيرة النبيّ محمّد (ص) بعد وفاته، وكذا فعل عليّ كما الحسن والحسين عليه السلام الذي قال: إنّ هدف ثورته الكربلائية «أريد أن أسير سيرة جدّي رسول الله». وهذا يعني أنّ التشيُّع قد يصدق على هذا المذهب أو ذاك، إلّا أنّه يتجاوز الحالة المذهبيّة نحو تبنّي الرسالة والقضايا الكبرى المرتبطة بالأمّة ومسيرتها.
نعم، إنّ الشيعة هم من أهل السنّة والجماعة، كما أنّ أهل السنّة والجماعة مؤهّلون ليكونوا على نهج التشيُّع أي شيعة رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإلّا فلا يعني للمذاهب الشيعيّة ارتباطها بأيّ أحد من خلق الله إلّا بمقدار ارتباطهم برسول الله محمّد (ص). عليه، إنّ أيّ موقع نقديّ يمارسه أيّ مسلم تجاه هذه الجماعة أو تلك لا ينبغي أن يطاول أصل النهج، كأن نقول: أهل السنّة نواصب، أو أهل الشيعة والتشيُّع روافض... فهذه جريمة؛ لأنّ الجماعات لها انتسابها ولها أفعالها والخلط بين الأمرين إنّما هو وليد العصبيّة والطائفيّة والجور المذهبيّ. فبإمكاني مثلاً، أن أقول: إنّ هذا الشيعيّ أو ذاك الحزب الشيعيّ رافضيّ، أو متنكّر لقيم الأمّة، لكن من غير الصحيح أن أتهم أصل نسبته «التشيُّع» نفسه، لأنّ في ذلك مسّاً بالنبيّ والصحابة. وكذا، قد أقول: إنّ هذا السنيّ فرداً كان أو حزباً، أو هذا السلفيّ فرداً كان أو مجموعة ناصبيّ، لكن من غير الصحيح اتهام النسبة التي هي فوق الأفراد والجماعات بأنّها ناصبيّة، إذ في ذلك أيضاً اتهامٌ لأمّة رسول الله (ص)، أو السلف الصالح من أصحاب النبيّ بالسوء والعياذ بالله.
وفي ضوء ذلك، إنّ المطلوب شيء من العقلانيّة والتقوى، إذ بدونهما انزلقنا نحو اتهامات بالإجرام والشذوذ والتهتّك، وهي أمور صار كلّ أحد يكيلها للآخر الذي لا يرضى عن موقفه السياسيّ حتى ولو كان من نفس المذهب.
أخيراً، من هم الشيعة وأهل التشيُّع؟
أللهمّ اشهد على ما أقول أنه قناعتي: إنّ التشيُّع المعاصر هو حالة إسلاميّة انبعثت في زماننا المعاصر مع الإمام الخميني (قده)، وهي تفيد بأنّ التشيُّع أبعد من كونه مذهباً، هو قيمة إسلاميّة كبرى تعني الولاية لخط محمّد (ص) الأصيل... ويمكن كلّ حرٍّ في هذا العالم أن ينتسب إليها وخاصّة المسلمين منهم، شرط أن يلتزموا أموراً ثلاثة:
ــ الأمر الأوّل: الدفاع عن قيم العدل والحريّة ومحاربة الاستبداد.
ــ الأمر الثاني: قتال إسرائيل وتشكيل جبهة عالميّة لمواجهة المشروع الأميركيّ في العالم.
ــ الأمر الثالث: محاربة الخرافة وشق الصفوف، وأن لا يكفِّر المسلم المسلم دونما وازع من شرع أو ضمير.
إذ من كان كذلك، هو خصم التشيُّع حتى لو كان اثنا عشريّاً.
* مدير معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدينيّة والفلسفيّة
6 تعليق
التعليقات
-
كل كلمة تحسب عليناالسلام عليكم، ما أعجبني في المقال بدايته "أوّل الغيث في مثل هذا الحراك هو بيان الذات أمام الآخر"، أما ما لم يعجبني، شيئ ما في نهايته" إنّ التشيُّع المعاصر هو حالة إسلاميّة انبعثت في زماننا المعاصر مع الإمام الخميني (قده)"، سلام الله على محقق حلم الأنبياء روح الله الخميني الذي قام بثورة روحية كانت حصيلتها إعادة إحياء لب وجوهر الإسلام بعد محاولات حثيثة لتفريغه من مضامينه وخلق "إسلام بديل"، ولكن إحياء الدين شيء، وحصر التشيع "المعاصر" بحركة الإمام شيئ آخر، أجد أنه يحتاج إلى إعادة النظر، علماً أنني أتحفظ على إستخدام مصطلح "التشيع المعاصر". إننا في لحظة حرجة مولانا الشيخ، كل كلمة تحسب علينا، في زمن بات فيه سوء الفهم وسوء الظن هما القاعدة لا الإستثناء. وفقنا الله وإياكم وبث على ألستنا الحكمة والصواب.
-
هل التشيع قيمة اسلامية كبرى أم ماذا؟شيخنا الفاضل:تعليقا على المقطع الأخير من مقالتك اللطيفة، التشيع أكبر بكثير وأوسع وأشمل من أن يقال عنه أن التشيع المعاصر حالة اسلامية انبعثت في زماننا المعاصر مع الامام الخميني. التشيع سواء منه المعاصر أو الذي سلف في الماضي البعيد أو القريب هو الاسلام بذاته الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله كما نزل من السماء لازيادة ولا نقصانا. والتشيع هو الدين الذي بلغه نبي الاسلام وحفظته قلاع الامامة ابتداءمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وانتهاء بالامام المهدي المنتظر، نعم حفظته هذه القلاع من كل سائبة وشائبة وغريبة ومن معاول الهدم التي لو قدر لها ماأرادت لصار الاسلام خبرا في كتب التاريخ ولم يبق منه الا اليسير كسائر الشرائع السماوية. ولئن غلبت كلمة الشيعة والتشيع على أتباع أهل البيت عليهم السلام منذ أربعة عشر قرنا وحتى هذه اللحظة فليس ذلك الا بايحاء من رسول الله عنما سئل عن الآية الكريمة "ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية"من هم؟ فأجاب صلوات الله عليه وآله: هم علي وشيعته. نعم شيخنا الجليل هذا التشيع هو أكبر من أن يقال عنه حالة اسلامية أو قيمة اسلامية كبرى أو مذهباأو غير ذلك،انه الاسلام الأصيل الذي من أجله سفكت دماء أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت والملايين من أتباععهم عبر هذه القرون الأربعة عشر انه قول الله تعالى:"وان من شيعته لاءبراهيم"
-
سؤالكمان ، شو حكم من تشيعوا قبل الامام؟ ثم لماذا الاقتصار على اسرائيل واميركا؟ انا افهم ان التشيع هو لخدمة كل المستضعفين ضد كل المستكبرين في الداخل والخارج. اما الخرافة : فصدقا انا لا اعتقد بضرورة وجود مؤسسة دينية ، بمعنى اخر لا اؤمن بوجود عمل اسمه "رجل دين" على غرار ايامنا. رجاء الرد شيخ
-
هيهاتتأخرت كثيرا يا مولانا...جراد التطرف اكل خضرة اسلامنا اليانعة....
-
قال الإمام المغيَب السيَد موسى الصدر:قال الإمام المغيَب السيَد موسى الصدر: التشّيع حركة, لا مؤسسة, ورفض للحاكم المنحرف, ولو كان شيعياً.
-
هنيئا عليك تشيعك وخطكهنيئا عليك تشيعك وخطك السياسي وليس التشيع المعاصر هو حالة سياسية انبعثت مع من ذكرت متأثرة بنزغ من فكر من حفر لكم أنفاق القصير الأخوان المسلمون وأشلاء من فكر حزب أخر تتبرؤون منه الأن حزب التحرير وليت شعري هلا أدبتنا من كتبك النيرة التي تقرأ فيها بما يختلف التشيع الغابر عن المعاصر لأن لكل معاصر غابر مثلا هل التشيع المعاصر يقول بأن فكر سيد قطب فكر إسلامي أصيل كما يقول خامنائي !!!!! أنا أقطع لك أن التشيع الغابر مثلا ليس انتقائيا وتوفيقيا على طريقة من كل واد عصا وتكرم عيون الحاضرين وأبو ملحم على ديدن مقالتك والأهم أنه لا يسيس الدين ويلوي عنق العقيدة خدمة للمشروع وتبقى واحدة في النفس الإستبداد الذي ذكرته هل هو إلا ما جرى على الشهيد آية الله العظمى السيد محمد كاظم شريعتمداري قدس سره يا هذا إن كنت تريد الغوص في ميادين السياسة فغص كيف شئت فإنما أنت رهن عملك ولكن دع عنك التشيع ولا تبتغيه مطية فتقع وتدق عنقك في الدنيا والآخرة فالتشيع له أربابه وقد تركوه عروة وثقى ترشد البعيد وتهدي القريب فمن تمسك بغير عروتهم فإن جهنم محيطة بالكافرين