لعله من هنا، كان مشرب فلاسفة المشرق والمغرب الإسلاميين فاعلاً في هذا الخصوص، فنرى النزعة الإيمانية في فكر صدر المتألّهين الشيرازي، الفيض الكاشاني، اللاهيجي، الشبستري والتبريزي، ابن سينا والغزالي وابن خلدون وسواهم، حيث كان العرفانُ معرفةً بالله وبالذات، انطلاقاً من الحديث الشريف «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
إن المقدّس والإلهي كان دائماً موضعَ جدل الفلاسفة والمفكّرين والمتكلّمين على حدٍّ سواء
واليوم، من قلب هذه الجائحة التي طرأت على الجنس البشري وألمّت به، ألسنا في صددِ العودة القسرية إلى الذات؟ ألسنا في غمارِ دعوةٍ من الحقّ إلى التأمل ومعرفة الذات أكثر؟ لعلّ هذه الأيام كانت قدراً محتوماً وذريعةً سماويةً ليتوقف الإنسانُ برهةً من الزمن، ويرى ما صنعت يداه. العالمُ ينتظرُ العلمَ لإيجاد الحل، والمؤمنون من الناس عيونهم على الأرض وأياديهم مرتفعةٌ إلى السماء في مناجاةٍ تستقي الرحمةَ الإلهية التي فيها الخلاص الوحيد.
لقد رأينا العالم منذ أشهر، ينقسم إلى فئتَينِ تمثّلانِ أقطاب هذه الجدلية القديمة من جديد؛ جدلية العقل والإيمان! فأين يكون الشفاء؟ وهل العلاقة ما بين دعاة العلم والإيمان هي علاقةُ قطيعة؟
إن الإنسان عاجزٌ عن التخلّي عن يقينه، وإيمانه. فالحياةُ فارغةٌ من مكنوناتها من دون وجود الإيمان، كما ذهب الفيلسوف شلايرماخر. وهذا الفيروس، الذي انبعث في فضاء الأرض نتيجةَ الاختبارات أو المؤامرات البيولوجية الجرثومية، قد تكون نهايته لا شكّ عن طريق العلم والبيولوجيا ذاتها، غير أن نزول هذه الرحمة، ومسبّبات انكشاف الأسرار العلاجية، لا شكّ في أنه سماويٌّ يلزمُنا أن نلتحق بقافلة المناجين المعتصمين بحبال الإيمان والتسليم.
الإيمان علاقةٌ روحيةٌ للعبدِ بربّه. الإيمان كان لحظةً لا مفرّ منها في حدث التجسّد المسيحي. وكان أمراً مسلّماً في نزول معجزة القرآن على محمد، والتوراة على موسى. وكان الإيمان قشّةَ البوذيّ التي تمسّك بها أمام أحداث الطبيعة التي ما كان ليدركَ كنهَ عظمتها. وكان الإيمانُ السبيل الأوحد أمام فلاسفة الطبيعة، الذين وصلوا إلى عثرةٍ لا مفرّ منها في تفكيرهم الفلسفي، فانقلب معظمهم شعراءَ ومتصوّفين.
أقول لعلّنا أمام هذه الأزمة، في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أن نؤمنَ بيقينٍ وعقيدةٍ، بأنّ حلولَ العقلِ آتيةٌ لا ريبَ من السماء؛ فالغوث الغوث يا الله! رحمتَكَ بنا، ولترفع هذا البلاء!
* المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية في بيروت