مَن يتابع منصات التواصل الاجتماعي في السعودية، وخصوصاً «إكس»، يدرك أنّ الجمهور أقوى من المؤسسات، وأنّ الخيار الأسلم دوماً هو تفادي غضبه وإن كان على باطل. يتماهى الجمهور السعودي مع النظام الحاكم في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، لهذا لم يخرج أي صوت يعارض الموقف السعودي من «طوفان الأقصى»، بل تصدّى بعنف لكل من انتقد عدم تعليق جدول «موسم الرياض» أو حتى أظهر تضامنه وهو موجود على أرض المملكة. لكن في ما يتعلق بالمجتمع في الداخل، ما زالت الرقابة المجتمعية مؤثرة تستمع إليها المؤسسات، وخصوصاً الرقابة الرسمية. وقد ذهبت طموحات المخرجين السعوديين بتقديم مواضيع جريئة، في مهبّ الريح بعد تكرّر الحملات ضدّ أفلام عدة أبرزها «مندوب الليل» للمخرج علي الكلثمي و«ناقة» للمخرج مشعل الجاسر.
مشهد من «آخر سهرة في طريق ر»

أظهر الأول كواليس تجارة الخمور السرية في الرياض كأحد خطوط الفيلم الدرامية، لكنّ الأمر لم يمرّ بسهولة. إذ تعالت الأصوات المطالبة بعدم كشف المستور على الشاشات التي بات يطّلع عليها الجمهور العربي. أما الثاني، فعرض مباشرة عبر منصة نتفليكس وقوبل بانتقادات حادة بسبب موضوعه الذي يبدأ وينتهي بموعد غرامي بين فتاة وشاب في ملابسات غريبة تجد فيها الفتاة نفسها في مواجهة ناقة غاضبة، وفي الوقت نفسه، تحتاج إلى العودة إلى نقطة الالتقاء مع والدها في ساعة محددة. رحلة عنيفة مليئة بالغرائبيات التي نُفذت فنياً بجودة عالية، لكن رآها كثيرون فاضحة لكواليس المجتمع السعودي، وخصوصاً علاقات الحب.
أما الأزمة المرتقبة الجديدة، فتتعلّق بأحدث أفلام محمود صباغ الذي يعدّ من أوائل مخرجي السينما السعودية في مرحلتها الحالية. يُطلق صباغ فيلمه الثالث «آخر سهرة في طريق ر» اليوم الخميس بعد تأجيل استمر عاماً كاملاً بسبب تسويات ومناقشات مع الرقابة وصلت إلى حد استبدال الكلمة الأخيرة من العنوان، ليصبح «طريق ر» بدلاً من «طريق رماح». والأخيرة ضاحية مشهورة في الرياض تنتهي فيها أحداث الفيلم الذي يبدأ مع غروب الشمس في جدة وصولاً إلى سطوعها في العاصمة السعودية.
يدور الفيلم حول فرقة غنائية شعبية تحاول مقاومة الحداثة وتتمسّك بالشكل التقليدي للحفلات الذي اعتاده السعوديون قبل «الانفتاح»، إذ يُطلبون بالهاتف لإحياء حفلات خاصة لكنهم في الليلة التي يستعرضها الفيلم يواجهون أنماطاً بشرية استثنائية مثل سيدة تقيم حفلة في مناسبة طلاقها، ورجل أعمال يقرر الانتحار على يدهم، وعصابة تطارد البطل وتقطع إصبعه بسبب عدم وفائه بالديون، وملهى ليلي تتعرض فيه البطلة لإغواء الزواج مدفوع الثمن مقدماً... يعتمد الفيلم على أربعة أبطال فقط هم أفراد الفرقة لكنهم في النهاية يتفرقون وتفشل كل محاولاتهم بالصمود.
مشاهد إغواء تجسّدها للمرة الأولى ممثلة سعودية


الفيلم الذي سيُعرض للكبار فقط، يتضمّن عدداً من الجمل الحوارية العنيفة والحادة. كذلك يرى الجمهور السعودي للمرة الأولى مشاهد إغواء تجسّدها ممثلة سعودية هي مروة سالم مطربة الفرقة التي تسرق من منازل الأثرياء وتطمح للغناء في الإذاعة، لكنها في الوقت نفسه ترفض الاستسلام للإغراءات، وإن كانت تستخدم جسدها فقط للتأثير على الزبائن بتشجيع من «أبو معجب» نجل عرّابتها مطربة الأفراح الراحلة «كاكا» التي لا تظهر في الفيلم. يجسّد الممثل عبد الله البراق شخصية «أبو معجب»، كما يظهر في الفيلم الممثل الراحل سامي حنفي في شخص مهندس صوت مدمن مخدرات وكحوليات. علماً أنّ حنفي رحل في شباط (فبراير) عام 2023 بعد تصوير دوره كاملاً، ما يعكس حجم التأخير الذي واجهه محمود صباغ حتى يحصل على تصريح بالعرض، وكذلك عدم قبول المهرجانات السعودية مشاركة الفيلم، رغم أنه غير جماهيري في الأساس، إلى جانب تغيير العنوان لأنّ «طريق رماح» تظهر في الفيلم باعتبارها المنطقة التي يُقيم فيها شيوخ يحيون سهرات ماجنة، بالتالي جرى تعديل الاسم تفادياً لغضب سكان المنطقة، إضافة إلى عمليات حذف أخرى لم يُكشف عن تفاصيلها بعد.
صحيح أنّ الرقابة السعودية تدخلت أكثر من مرة قبل التصريح بعرض الفيلم، لكن الكل في الوسط السينمائي السعودي يترقّب حملات الجمهور المضادة بعد العرض التجاري. إذ يُتوقع أن تكون عنيفة وحادة، وقد تصل إلى سحب الفيلم من الصالات بحسب توقعات المتشائمين الذين يرون أنّ تكرار الأزمات الرقابية، وخصوصاً المجتمعية منها، سيوثر سلباً على مساحات الحركة المتاحة أمام صناع الأفلام في المملكة، وطموحهم بتقديم مواضيع تناسب المهرجانات العالمية. هكذا، قد يبقى شباك التذاكر مفتوحاً فقط للأفلام الكوميدية مثل «سطار» و«الهامور» اللذين حقّقا مبيعات كبيرة مسبقاً، إلى جانب الأفلام المصرية والأميركية التي لا تتعرض للعنت الرقابي نفسه كونها لا تمثل المجتمع السعودي بحسب منطق الغاضبين.