يعد أهل عيتا الشعب (جنوب لبنان) الأيام للعودة إليها. ألف و500 عائلة اضطرت إلى النزوح منها بسبب العدوان الإسرائيلي اليومي عليها طوال الأشهر السبعة الماضية. ورغم تضرر ألفي منزل كلياً أو جزئياً حتى الآن، ولكن الخسارة القاسية هي مواسم التبغ والقمح والزعفران والكركم والغار... ولكن ما إن ترتبط المواجهة الحالية مع إسرائيل بفلسطين، تهون الأرواح والأرزاق «على طريق القدس». تلقائياً، انخرطت عيتا الشعب بجبهة إسناد غزة. تتفهم ما فعلته المقاومة الفلسطينية. فهي قبل 18 عاماً، بادرت من خلة وردة بأسر جنديين صهيونيين لمبادلتهما بالأسرى في سجون العدو، حيث كانت إشارة لاندلاع عدوان تموز 2006. البلدة المتداخلة جغرافياً بفلسطين، تجد نفسها ملزمة بجارتها منذ مؤامرة «سايكس بيكو». حينها، كانت عكا ويافا وسفوطة وترشيحا، الامتداد الاجتماعي والاقتصادي لعيتا الشعب. في شقة صغيرة في مدينة صور، تمكث سمية إسماعيل منذ سبعة أشهر بعد نزوحها القسري من عيتا الشعب. ثقيلة مرّت المدة الماضية على ابنة المئة عام بين الجدران الأربعة. وحتى بعد انتهاء العدوان، ستظل أسيرة لسكن الشقق بعد تدمير منزلها ومنزل ابنها بالغارات المعادية قبل نحو شهرين. بعد 18 عاماً، عادت إسماعيل لتعيش تجربة التهجير والتدمير كما حصل معها في عدوان 2006. لكن التجربتين حفزتاها على أن تقصّ على الأجيال حكاية عيتا وفلسطين. على الجمل، تنقلت في الثلاثينيات على المعابر باتجاه البلدات الفلسطينية، لتقايض البندورة بالملح والكاز والصابون والبرتقال والطحين. وفي إحدى المرات، اعتقلها جنود الانتداب الإنكليزي في طريق عودتها لكمية الطحين التي حملتها معها. حتى نكبة فلسطين عام 1948، لم تعرف إسماعيل شيئاً عن صور وصيدا وسائر لبنان. تدين لفلسطين بأعمال التجارة والطبابة وشراء الحاجيات وتعلّم الحرف، منها صناعة صابون الغار. شجر الغار الذي يملأ طربيخا وسروح وترشيحا والنبي روبين من الجانب الفلسطيني، تركز في عيتا الشعب من الجانب اللبناني. إسماعيل وقريناتها كن يقطفن الغار من كرم الدم وخلة وردة وخلة المقصقص والرجم والحيحونة. وقبل النكبة، كنّ يقطفنه من طربيخا وسروح التي صارت مستعمرة شتولا والنبي روبين التي صارت مستعمرة زرعيت حتى جبل الجرمق قبالة يارون ورميش. الزيت والصابون اللذان كنّ ينتجنَهما، كانا يُصرفان في بنت جبيل وبلداتها على أنه رائحة فلسطين. أمام ناظريها، لا يزال ماثلاً معبر خلة وردة المؤدي نحو طربيخا وساحل فلسطين ومعبر خلال الذرة أو وادي سوادي المؤدي نحو فسوطة وترشيحا.
يملك أهل عيتا الشعب أدلة كثيرة على عمق ارتباطهم بفلسطين. «ليس تفصيلاً انخراط أهل عيتا بمقاومة العصابات الصهيونية عقب نكبة 1948 ومناصرة الفدائيين الفلسطينيين في الستينيات والسبعينيات والانخراط في المقاومة لتحرير الجنوب لاحقاً»، وفقاً لما يقوله نائب رئيس البلدية، حسن طحيني. في عام 1850، غادر جده مسقط رأسه، عيتيت (قضاء صور) ليستقر في عيتا الشعب التي كانت قبلة اقتصادية مزدهرة لارتباطها بفلسطين. ويجزم طحيني نقلاً عن أجداده بأن الحمضيات التي امتاز بها الساحل الجنوبي، حملها الفلسطينيون معهم عند تهجيرهم. عقب عدوان تموز 2006، أطلقت بلدية عيتا الشعب اسم «القدس» على ساحتها الرئيسية. التسمية ليست تفصيلاً فولكلورياً. «الرابط بين عيتا وفلسطين، تكلل بدماء الشهداء من الستينيات إلى عدوان 2023 على طريق فلسطين. لكنه تأسس منذ عقود عندما كان مهر العروس في عيتا الشعب حتى نكبة 1948، يدفع بالجنيه الفلسطيني».