قاعة المحكمة مليئة بالتوتر. سارة شاحبة ومكتئبة، تحتضن بطنها الحامل بينما يحدق بها القاضي بنظرة حادة. «في ضوء الظروف غير المعتادة المحيطة بوفاة زوجكِ، سيدة سارة، يعتبر اختبار تحديد الأبوة للطفل الذي لم يولد بعد ضرورياً لضمان استكشاف جميع الاحتمالات».خفق قلب سارة بقوة. لم يكن هذا جزءاً من الخطة. لقد دبرت ببراعة انتحار زوجها، مشهد اليأس المثالي، بعد أن كشف علاقتها وهدد بكشف خيانتها. مرّت الأسابيع ببطء، وكان كل يوم انتظاراً قاسياً. أخيراً، وصلت النتائج. ساد صمت ثقيل قاعة المحكمة بينما أعلن المدعي العام: «يُثبت اختبار تحديد الأبوة أن الطفل الذي لم يولد بعد للسيدة سارة ليس هو الابن البيولوجي للمتوفى».
حبست دموعها. «كما ترى، يا سيدي القاضي»، قالت وهي تكاد تبكي، «أنا وزوجي كنا نواجه مشاكل،...» قبل أن يتهدج صوتها، لكن قصة الانتحار المفبركة التي اختُلقت لحماية سمعتها والعلاقة السرية أصبحت مكشوفة.
يسمح تحليل الحمض النووي الجنائي، وهي عملية معقدة تتفحص مناطق معينة من الشفرة الجينية، للخبراء الجنائيين بإنشاء ملفات تعريف جنائية فريدة لكل فرد. تحمل هذه الملفات الشخصية بصمات افتراضية، مما يتيح للمحققين مطابقة أدلة الحمض النووي المستردة من مسرح الجريمة بالمشتبه بهم المعروفين أو قواعد بيانات الحمض النووي. أهمية أدلة الحمض النووي تتجاوز إلى حد بعيد تحديد الجناة، بل تلعب دوراً محورياً في تبرئة المظلومين. ورغم قوتها التي لا يمكن إنكارها، فإن أدلة الحمض النووي ليست خالية من التحديات. يمكن أن يؤدي التلوث وسوء التعامل وأخطاء التفسير إلى تقويض موثوقية تحليل الحمض النووي، مما يثير الشك حول صحة نتائجه في المحكمة.

متى يتم طلب اختبارات الحمض النووي؟
رغم فعالية تحليل الحمض النووي كأداة في التحقيقات الجنائية، إلا أنه ليس حلاً يناسب جميع الحالات. بعض الحالات التي يتم فيها طلب اختبار الحمض النووي بشكل شائع:
الجرائم التي تتضمن سوائل الجسم: يبرز دور تحليل الحمض النووي بشكل جلي في الجرائم التي يُعثر فيها في مسرح الجريمة على مواد بيولوجية مثل الدم أو السائل المنوي أو اللعاب أو خلايا الجلد. إذ تحوي هذه السوائل ثروة من المعلومات الجينية يمكن استخدامها لتحديد هوية المشتبه بهم أو تبرئة الأبرياء.

2 متر

إذا قمت بفك وقياس كل الحمض النووي في خلية بشرية واحدة، من طرف إلى آخر، فسيمتد لحوالي مترين (6.6 قدم)! الكمية الهائلة من الحمض النووي مغلّفة بإحكام داخل نواة الخلية.


قضايا الاعتداء الجنسي: يعتبر تحليل الحمض النووي أداة مهمة في التحقيق في قضايا الاعتداء الجنسي. إذ يمكنه تحديد مرتكب الجريمة من خلال السوائل الجسمية خلّفها في مسرح الجريمة، مما يوفر دليلاً قوياً للملاحقة القانونية.
جرائم القتل: يمكن أن يساعد تحليل الحمض النووي في تحديد هوية الضحايا المجهولين وربط المشتبه بهم بمسرح الجريمة من خلال بقع الدم أو بصيلات الشعر أو أي آثار بيولوجية أخرى تُترك خلفهم أثناء المقاومة.
قضايا المفقودين: يمكن استخدام اختبار الحمض النووي للتعرف على رفات أشخاص مجهولين، خصوصاً عند مقارنتها بقواعد بيانات الحمض النووي للمفقودين.
الكوارث الجماعية: في المواقف مثل الكوارث الطبيعية أو عمليات إطلاق النار الجماعي، يلعب اختبار الحمض النووي دوراً رئيسياً في تحديد هوية الضحايا، خصوصاً عندما تكون الجثث متضررة بشدة أو يصعب التعرف عليها.
نزاعات الأبوة: يمكن لتحليل الحمض النووي تحديد الوالدين البيولوجيين بشكل قاطع في الحالات التي يُشكك فيها في الأبوة.



اختبارات أدلة الحمض النووي: نظرة مبسطة
تعمل اختبارات أدلة الحمض النووي عن طريق تحليل الشيفرة الجينية الفريدة الموجودة في خلايا كل فرد.
جمع العينات: يتم جمع عينة تحتوي على الحمض النووي من مسرح الجريمة. يمكن أن يكون ذلك أي شيء بدءاً من الدم أو اللعاب أو خلايا الجلد أو سوائل الجسم الأخرى التي خلّفها الجاني.
فصل الحمض النووي: يتم فصل الحمض النووي عن العيّنة باستخدام تقنيات متخصصة. وهذا يتضمن فصل الحمض النووي عن مكونات أخرى للعينة، مثل البروتينات وبقايا الخلايا.
نسخ الحمض النووي: يتم نسخ الحمض النووي المعزول أو تكراره لإنشاء نسخ متعددة من المادة الوراثية. هذه الخطوة ضرورية لضمان وجود كمية كافية من الحمض النووي لتحليلها بدقة.
تحت سطح طبيعة دليل الحمض النووي التي تبدو معصومة عن الخطأ تكمن مجموعة من التحديات التي تعقد استخدامها في قاعة المحكمة


البصمة الجينية: يتم تحليل الحمض النووي المكرر باستخدام تقنية تسمى البصمة الجينية، والتي تفحص مناطق معينة من الحمض النووي تعرف بالعلامات الجينية. هذه العلامات فريدة من نوعها لكل فرد وتستخدم لإنشاء بصمة جينية.
المقارنة: تتم مقارنة البصمة الجينية التي تم الحصول عليها من مسرح الجريمة بالبصمات الجينية المعروفة للمشتبه بهم المحتملين أو الأفراد الموجودين بالفعل في قاعدة بيانات الحمض النووي. إذا كان هناك تطابق بين الحمض النووي في مسرح الجريمة والحمض النووي للمشتبه به، فإن ذلك يوفر دليلاً قوياً يربط الفرد بالجريمة.
التفسير: يفسّر الخبراء الجنائيين نتائج تحليل الحمض النووي ويعرضون نتائجه في المحكمة. وقد يشهدون على أهمية التطابق واحتمالية أن يكون الحمض النووي الذي تم العثور عليه في مسرح الجريمة يعود إلى المشتبه به.

التنقل عبر المتاهة الجينية
لا شك في أن أدلة الحمض النووي أحدثت ثورة في التحقيقات الجنائية، حيث تقدم رؤى لا مثيل لها حول هوية الجناة وتوفر بصيص أمل لتحقيق العدالة. مع ذلك، تحت سطح طبيعتها التي تبدو معصومة عن الخطأ، تكمن مجموعة من التحديات التي تعقد استخدامها في قاعة المحكمة.
أحد أهم التحديات هو خطر التلوث. يمكن أن تتلوث عينات الحمض النووي بسهولة أثناء الجمع أو التحليل، مما يؤدي إلى نتائج خاطئة واحتمالية حدوث أخطاء جسيمة. علاوة على ذلك، لا يكون تفسير أدلة الحمض النووي دائماً مباشراً. يمكن للبصمات الجينية المعقدة وخلطات الحمض النووي من عدة أفراد أن تحير المحللين الجنائيين، مما يجعل من الصعب تحديد الجناة بدقة أو استبعاد المشتبه بهم الأبرياء. ونتيجة لذلك، يبرز احتمال سوء تفسير أو إساءة تطبيق أدلة الحمض النووي.
في ضوء هذه التحديات، من الضروري أن يتعامل نظام العدالة الجنائية مع استخدام أدلة الحمض النووي بحذر واجتهاد، من خلال اتباع بروتوكولات صارمة لجمع الحمض النووي وتحليله وتفسيره لتقليل مخاطر الأخطاء وضمان سلامة الأدلة.

أطول قضية إدانة خاطئة تُنقض بناءً على الحمض النووي
عام 1976، أدين ليونارد ماك البالغ من العمر 23 عاماً باغتصاب فتاتين في مقاطعة ويستشستر في ولاية نيويورك، وحُكم عليه بالسجن لمدة 25 عامًا. طوال فترة سجنه، ظل ماك يصر على براءته. عام 2015، راجع محاموه قضيته وطلبوا إجراء اختبار الحمض النووي على الأدلة المتبقية. أثبت الاختبار عدم تطابق الحمض النووي الموجود في مسرح الجريمة مع الحمض النووي لماك. وبعد تحقيق مطول، تم تحديد هوية الجاني الحقيقي من خلال قاعدة بيانات الحمض النووي الوطنية. أُطلق سراح ماك عام 2023 بعد 47 عامًا خلف القضبان، لتصبح قضيته أطول إدانة خاطئة تُنقض بناءً على الحمض النووي في الولايات المتحدة.