في 6 شباط 2006، التقت القوّة المسيحية الأكبر التي أفرزتها انتخابات 2005 ومرحلة الخروج السوري من لبنان، مع حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الفارضة إيقاعها على المشهد السياسي داخل الدولة وخارجها. منذ ذلك التاريخ، تكرّر الكلام حول ما أنجزته هذه الورقة من صياغة تفاهم على مستوى الدولة والعلاقة بين طائفتين وليس مجرد تفاهم بين حزبين. ولا يمكن الكلام اليوم، بعدما تدهورت العلاقة بين صاحبي التوقيع عليها، عن مستقبلهما بما يمثلان فحسب، إنما في ارتداد ما حصل على مكوّنين أساسيين.
من الصعب على سياسيين مستقلين القبول بالكلام عن القوى الحالية من الناحية الطائفية فحسب، أو حصر الصراع السياسي الحالي بصبغة طائفية بين قوى مسيحية وقوى شيعية، بعدما انحسر الدور السني إلى حده الأقصى في السنوات الثلاث الأخيرة، وحيّدت القوى الدرزية نفسها عن الصراع. فالكلام عن مفهوم الدولة بالنسبة إلى هؤلاء لا يزال طاغياً في تحديد أوجه الصراع بين قوتين مختلفتين جذرياً في رؤية مفهوم الدولة وبنائها وتعطيل المؤسسات بدءاً من موقع رئاسة الجمهورية. لكن بقدر ما يصبح هذا التوصيف طوباوياً في ظل الواقعية التي تحتمها الأوضاع الحالية، تصبح مقاربة ذكرى 6 شباط، الأولى والثانية، في حاجة إلى قراءة عميقة لمكوّناتها.
حصر المراجعة بين قوتين حزبيتين يعني تقزيم الخلاف الحقيقي إلى مجرد تفاهم على مصالح آنية
فالقوة الشيعية التي صعدت تدريجاً في الثمانينيات وثبّتت قوتها على حساب القوى «الوطنية» الأخرى في ساحات بيروت والجنوب والبقاع، إلى أن تمكنت من فرض إيقاعها في رئاسة المجلس النيابي، تكرر التجربة نفسها في السنوات الأخيرة بوجه آخر. يصعد حزب الله ليصبح الندّ الأوحد في مواجهة القوى الأخرى. من هنا كانت 6 شباط 2006 محاولة مراجعة لعلاقة ثنائية مغطاة بعناوين بناء الدولة والحوار والديموقراطية التوافقية وقانون الانتخاب وغيرها، كالمسألة الأمنية والعلاقات اللبنانية - السورية والفلسطينية. لكنها فعلياً كانت علاقة ثنائية بين مكوّنين شيعي ومسيحي. أبعد من ذلك، تصبح ضرورية إعادة النظر فيها بعد 17 عاماً على صياغتها، وبعد ست سنوات من علاقة سوية بين عهد رئاسي وصل التيار الوطني في ذروته إلى ما أراده، وبين حزب كرّس نفوذه ودالته على العهد وعلى الوضع الداخلي. لكن حصر المراجعة بين قوتين حزبيتين يعني تقزيم الخلاف الحقيقي إلى مجرد تفاهم على مصالح آنية. في حين أن الطرفين يعلمان أن ما حصل بينهما من تغيّر نظرة قاعدة كليهما إلى الآخر، معطوفاً على رد فعل القوى الأخرى من قوى مسيحية إلى حزب الله، يعني الخشية من أن يكون 6 شباط الحالي كـ 6 شباط 1984. إلى هذا الحد، تصبح النظرة إلى العلاقة بين المسيحيين والشيعة بتعبير واضح ودقيق، فلا يمكن حصر الصراع بينهما بتعديل ورقة تفاهم. إذ إن الخصومة تتجذّر تدريجاً في البيئات السياسية والاجتماعية، ومحاولة إعادة النظر في ورقة التفاهم بعيداً من الأخذ في الاعتبار كل المؤشرات الأخرى، تعني أن الطرفين، وحزب الله في المقدمة، يقللان من خطورة ما يجري. وفي العادة لا يتعمد الحزب ذلك، لكنه اليوم يدرك أنه منذ الانتخابات النيابية وحتى سماحه بعقد جلسة مجلس الوزراء وتغييب رئاسة الجمهورية، انكسر كثير من المحرمات في الكلام. وهنا خطورة تكرار تجربة تمجيد 6 شباط 1984، وهي لم تكن بين حليفين، فيما تصبح ذكرى 6 شباط 2006 عالقة بين حليفين... والأخطر طائفتين.