فبعدما أحال عويدات إلى بو حيدر طلب تحريك دعوى الحق العام ضد سلامة للادعاء عليه مع شركائه بجرائم الاختلاس والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، جاءت المفاجأة من بو حيدر الذي تهرّب من مسؤوليته في الادعاء وإحالة الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت. وهو، فور علمه بوصول الملف إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، أقفل هاتفه وتوارى عن الأنظار، طالباً من رئيس القلم عدم تسجيل الدعوى! بل نُقل عنه بأنه لن يوقعها ويُحيلها «تحت أيِّ ظرف» باعتبارها «مخالفة للقانون»! علماً أن كل ما كان عليه القيام به واحد من أمرين: أن يُحرر ورقة الطلب ويحيلها إما إلى قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا ليبدأ التحقيق، أو إلى النائب العام المالي علي إبراهيم، تبعاً للاختصاص، كي يدعي الأخير بموجب ورقة طلب ويُحيلها بدوره إلى بو سمرا. ومن ثمّ يمكن النائب العام المالي الادعاء على سلامة وشركائه بموجب مواد أخرى غير تلك التي طلبت النيابة العامة التمييزية الادعاء بموجبها.
غير أنّ بو حيدر لم يفعل أياً من ذلك، بل قرر الوقوف سداً منيعاً لحماية سلامة من الادعاء. علماً أنه في حال عدم امتثاله لقرار عويدات، سيكون أمام احتمالين: إما الادعاء عليه جزائياً بجرم عرقلة تحقيق عدلي، أو كفّ يده عن ممارسة عمله وتولّي النيابة العامة التمييزية توزيع الأعمال في النيابة العامة في بيروت.
تمرّد بو حيدر قد لا يكون الوحيد في سلسلة الحماية لرياض سلامة. إذ إنّ إحالة الملف إلى قاضي التحقيق الأول شربل بو سمرا لا تعني أنّ الملف سيسلك مساره الصحيح. فالأخير هو شقيق زوجة النائب جان طالوزيان، رجل رئيس مجلس إدارة مصرف «سوسيتيه جنرال» أنطون صحناوي الذي، بدوره، يدين بالولاء لسلامة. وهنا تجدر العودة إلى ما أظهرته تحقيقات مفرزة الضاحية القضائية، بعد توقيف مدير العمليات النقدية في المصرف المركزي مازن حمدان عام 2020 وإقراره بأنّه كان يعطي مليارات الليرات لمصرف سوسيتيه جنرال لشراء دولارات من السوق بطلب من الحاكم. إذ لم يتنحّ بو سمرا عن الملف للارتياب المشروع، نظراً لصلة القربى التي تربطه بشخصٍ يموّله المدعى عليه في ملف أمامه، ومنع المحاكمة عن المدعى عليه.
بو حيدر يواجه الادعاء عليه جزائياً بجرم عرقلة تحقيق عدلي أو كفّ يده عن ممارسة عمله
ولا يتّكل حاكم المصرف المركزي على بو حيدر وحده للدفاع عنه. إذ إنّه بعدما استشعر باقتراب خطر الادعاء عليه تقدم بدعوى مخاصمة الدولة ضد المدعي العام التمييزي نفسه طالباً تنحيته. وجاء هذا الادعاء بعد شكوى مماثلة تقدم بها وكلاء الأخوين سلامة ضد المحامي العام التمييزي جان طنّوس لطلب كفّ يده. غير أنّ ما حصل هذه المرة كان مختلفاً. إذ إنّ عويدات طلب إحالة ملف سلامة للادعاء قبل أن يتبلغ استحضار دعوى مداعاة الدولة اللبنانية الذي تقدم به الأخوان سلامة ضده.