رياح الشهر الماضي في منطقة الكاريبي، حملت تصعيدات جديدة في الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضدّ فنزويلا، بدءاً من محاولة الانقلاب الفاشلة التي حاول الأميركيون تنفيذها للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، وصولاً إلى التحدّي الإيراني للوصاية الأميركية، عبر إرسال ناقلات نفط إلى فنزويلا. كانت هذه الخطوة «تحدياً» لواشنطن، التي وإن لم يكن خيار التدخّل العسكري في منطقة الكاريبي مطروحاً جدّياً لديها، ولكنّها تُبقي «سيناريواتها البديلة» جاهزة للأيام المقبلة. السيناريو الأول هو تعويل واشنطن على تدهور الوضع في كاراكاس، نتيجة الحصار الاقتصادي والمالي الذي تفرضه. فهي ستواصل وضع العقوبات المالية على قطاعات الدولة الأساسية بشكلٍ صارم، بهدف إحداث ثورة سياسيّة واجتماعيّة ضد النظام الفنزويلي، وإضعافه من الداخل تمهيداً لإسقاطه، واستمرار الأحداث الأمنية بطريقة أو أخرى. السيناريو الثاني هو تقوية «زعيم المعارضة» الذي نصّبته واشنطن، خوان غوايدو، ووهبته أموالاً فنزويلية سرقتها. أما السيناريو الثالث، فهو تركيز واشنطن على إفشال السياسات الاشتراكية وتجويفها من الداخل وإبطال أهدافها، من خلال الضغط عبر الناشطين والإعلاميين وما يسمّى بـ«المجتمع المدني» المدعومين أميركياً، لتفكيك القاعدة الجماهرية لمادورو، وتعريته أمام جمهوره، وبالتالي القضاء عليه في الانتخابات المقبلة، أو تنفيذ انقلاب جديد، أو محاولة اختراق البلاد عبر شركات خاصة تستأجر مرتزقة. الخيار الأخير اعتُمِد أخيراً، وكُشف بعد اعتقال كراكاس مجموعات اعترف أعضاؤها بأنّ شركة أمنية خاصة تُدعى «سيلفر كلوب» استأجرت مرتزقة لتنفيذ الانقلاب بالاتفاق مع غوايدو مقابل 213 مليون دولار، وبأنّ قائدهم تلقّى أوامر بشأن العملية من الرئيس الأميركي نفسه. في المحصّلة، لا يبدو أن أيّاً من رهانات واشنطن وافر الحظ، وذلك بسبب الولاء التام الذي تظهره المؤسسة العسكرية الفنزويلية لمادورو، والتلاحم الكبير بين القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والميليشيات الشعبية التي يزداد عديدها، والنقابات العُمّالية وقطاعات واسعة من الشعب. كذلك، فإن الحوار الوطني الذي بدأه مادورو، شكّل أرضية صلبة له، إذ بدأ البحث عن الخطوات اللازمة لمواجهة الحصار الأميركي، والتي تقتضي تفعيل وتعزيز الإنتاج الوطني، الأمر الذي يؤدي إلى حدّ أدنى من الاكتفاء الذاتي، وبالتالي تقليص الاعتماد على الاستيراد، والعمل على الاستفادة من تجارب الدول الحليفة التي تعرّضت للحصار والعقوبات الأميركية، مثل إيران وكوبا، ونجحت في التغلب عليها. يُضاف إلى ما سبق، رهان فنزويلي على تعميق التحالف مع الدول المحاصرة، وخلق شبكات من التعاون والتبادل التجاري معها، فضلاً عن توثيق الصلات مع روسيا والصين. مع فشل كل خطوة أميركية، تزداد ثقة الحُكم في كراكاس بقدرته على تجاوز الصعاب، وخاصة على المستوى الاقتصادي