يوصف بأنه أصغر كاتب سوري. اقتحم غمار الكتابة باكراً وخاض سجالات الكبار (سياسياً وثقافياً) ونال اعترافاً مبكراً حازه بجهده ونضاله في فترة الانتفاضة التي قد يكون دارا عبد الله واحداً من أهم إنجازاتها ثقافياً، إذ أدت الانتفاضة إلى تغيير مفاهيم القيم الثقافية التي كانت تكرس سابقاً وفق اعتبارات المحاصصة التي لم يكن فيها أي مكان للشباب. تمكن ابن الإثنين والعشرين ربيعاً من فرض نفسه على تماسيح الثقافة السورية، وهذا واحد من المقدسات التي كسرتها الانتفاضة السورية. في «جامعة دمشق» حيث يدرس الطب البشري، كان دارا يخوض نضاله عن طريق نشر الوعي والسجال والحراك والتظاهر. ساهم في أول اعتصام نفذته كلية الطب البشري في «جامعة دمشق» ليعتقل بعدها لساعات، ويتابع نشاطه السلمي الرافض للعسكرة. لكن ذلك لم يمنع السلطات من اعتقاله مرة أخرى، إذ فقد الاتصال به بعد الساعة الثانية والنصف ظهراً من يوم 22/10/2012 لينضم إلى قافلة المعتقلين الذين فاضت بهم السجون السورية، وليكون اعتقاله دليلاً على كذب السلطة مرة أخرى، لأنّ اعتقاله جاء متزامناً مع العفو الأخير، وهو الذي لم تتلطخ يداه سوى بحب الوطن والكلمة التي كتبها وآمن بها سبيلاً للتغيير السلمي.
وهو ما دفع تيار «بناء الدولة السورية» إلى القول في بيانه الذي أصدره للتنديد باعتقال دارا ورفاقه: «إن تزامن اعتقال دارا عبد الله في نفس توقيت إعلان السلطة السورية عن عفو رئاسي، يدل بوضوح كامل على شكلانية هذا العفو وعدم جدواه، وعلى عدم جدية السلطة المطلق بإنهاء ظاهرة الاعتقال التعسفي، والتوقف عن ملاحقة الناشطين السياسيين والمدنيين، والتوقف عن القمع المعمم على جميع السوريين». إيمانه بالسلمية لم يمنع مواقع مؤيدة (يعود إليها الفضل بمعرفة اعتقاله) من وصفه بـ«الإرهابي» لنكون أمام دليل آخر على معنى الإرهاب لدى السلطة وأنصارها، فإن كان الطبيب الخلوق والمثقف الرصين والمنادي بسلمية الثورة ليل نهار، إرهابياً، فماذا تبقى لهذه السلطة! تهمة الإرهاب باتت أسهل شيء في سوريا، إذ نشرت شبكة «أخبار الشام»: «قامت الجهات المختصة بإلقاء القبض على اثنين من أخطر الإرهابيين في جامعة دمشق (كلية الطب البشري وطب الأسنان) وهما: الإرهابي دارا عبد الله، طالب طب بشري سنة رابعة (تحريض وتجنيد طلاب للانضمام للجيش الكرّ والدعوة لحمل السلاح) والإرهابي ماهر بحصاص طالب طب أسنان سنة ثانية (مهمته مراقبة أعضاء اتحاد الطلبة في سوريا من أجل عمليات خطفهم وتحريض على حمل السلاح)». وهو أمر غير صحيح ويمكن تبيان كذبه من مقالات دارا المنشورة في الصحف وكان بعضها في هجاء التسلح. إذ قال: «مضار التسلح كثيرة ومخيفة، لا تستطيع هذه السطور القليلة التصدي لها جميعاً، أبرزها التباعد الأهلي الحاد نتيجة ترسيخ السلاح لشعور المسلح بهويته، في محاولته لنحْت ملامح هوية «المحتل»، وكلما كان المجتمع المصاب أقل هضماً لمفاهيم الحداثة والتقاليد السياسية والدستورية، كانت قدرة هذا السلاح في تفعيل التمايزات المذهبية وإطلاق كميات من الحصر النفسي الجمعي أكثر، فينتكس المسلح إلى معطى بدئي خام، ويزداد تحسس الوعي الذاتي الطائفي على حساب رابطة وطنية معقلنة».
وكتب والد دارا نواف عبد الله على صفحته على الفايسبوك: «اعتقلت أجهزة أمن السلطة في دمشق ولدي دارا نواف عبد الله (1989) حيث يدرس في كلية الطب البشري. دارا شابٌ طموح، نشيط، يهتمّ بالثقافة والفكر والكتابة في الشأن العام إلى جانب دراسته الجامعية، يحمل قلمه للتعبير عن رأيه، ينبذ العنف، من دعاة السلم وبناء الثقافة الإنسانية ويؤمن بمبدأ الحوار. الحرية لك يا ولدي ولكافة معتقلي الرأي والضمير في سجون النظام!».
كتب دارا عدداً من المقالات والنصوص الشعرية التي تلقي الضوء على ما يحصل في سوريا، وكان آخر ما كتبه على الفايسبوك يتعلّق بتشريح بنية الاستبداد السوري بحيث يرجح أنها السبب في اعتقاله، إذ قال: «مجلسُ الشعب»: حُرَّاس غرور الديكتاتور، الساجدون المصفِّقون، ضحكتهُ العبثيَّة استخلاصٌ للمتعةِ من بطن المصيبة، سأحاول ألا أحقدَ عليهِ، فهو ببطشهِ دمَّرنا، وبغبائه حرَّرنا من قيدِ غبائهِ، و هذا هو الخيرُ في الشّر». وكتب أيضاً: «سألت جنديّاً قدم للتو من «قدسيَّا: هل دعستَ بالدبابة على جُثَّتين مختلفتين، أم دعستَ على نفس الجثَّة مرَّتين؟».
* روائي سوري
4 تعليق
التعليقات
-
وأنا لا أتعاطف مع دارا!أنا مواطن سوري، ولست مؤيداً ولا معارضاً، ولكنني لم أعد أتعاطف مع هذا النوع من "المثقفين" الذين يرون بلدهم تخوض حرباً على كل الصعد، بينما هم لا هم لهم إلا انتقاد الدولة بشكل لاذع و"الترفيس" كما يفعل الطفل المدلل و(المجلوق). يجيدون الصياح والصراخ فقط لا غير. يشيرون فقط إلى عيوب الدولة، أما "الثوار" فهم ملائكة معصومون، وأما الأحزاب المعارضة (مثل حزب "بناء الدولة" إياه) فهو أكثر من معصوم! يا أخي تواضعوا قليلاً كرمى لسوريا، كرمى للنبي، كرمى للعدرا، كرمى لله!!! نقدهم هدّام وليس بنّاء. يعيشون في عالم من الرومانسية الثورية التي لا وجود لها إلا في عقولهم المريضة. صدقناكم وصدقنا أفكاركم في أول شهرين من الفتنة، ولكننا اليوم قاربنا على السنتين من هذه الأزمة، وأنتم لم تعترفوا ولو بخطأ واحد، لم تراجعوا أنفسكم، لم تتحملوا أي مسؤولية لأنكم لستم أهلاً لها! أنتم مريضون تعيشون وهماً وردياً ومنفصلون تماماً عن الواقع والأرض والميدان! أنتم ثوار "التويتر" و"الفيسبوك" و"اليوتيوب" وبس! وأجيب عن الجندي السوري الذي عاد من قدسيا: "لا حبيبي! دعست على رقبة كل من حاول الطعن في ظهر هذا الوطن العزيز، من سوريين مضلَّلين إلى أعراب ومغول جدد زحفوا إلينا من بلاد الواق واق، والذ كنتَ أنت وأمثالك تنظّرون لهم وتدافعون عنهم وتبررون جرائمهم، والذين كنت أنت وأصحابك تنتقدون الدولة على ضعفها وتلومونها على فشلها بالدفاع عن مواطنيها، بينما تشجعون وتصفقون لكل قرية وبلد ومدينة تخرج ولو قليلاً عن سلطة الدولة! أنتم عالة علينا! مكانكم الطبيعي في السجن، أو المصح العقلي"!