مرّة أخرى، وقع الإعلام ضحية النزاع القائم في سوريا. يوم الخميس الماضي، أعلنت «سكاي نيوز عربية» عن فقدان الاتصال بطاقمها العامل في حلب (شمال سوريا)، المؤلف من الصحافي الموريتاني اسحاق ولد مختار، والمصوّر اللبناني سمير كسّاب، إضافة إلى سائق سوري لم يكشف عن اسمه بطلب من عائلته (الأخبار 18/10/2013).
منذ شيوع النبأ، علت الأصوات المطالبة بالكشف عن مصير الفريق الصحافي، آخرها حملة عفوية انطلقت أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب من الصحافيين اللبنانيين وزملاء سمير بدعمه ولو افتراضياً، وبألا «تدعوه يعيش غربته مرتين، لا تدَعوه وحيداً. ادعموا سمير واسحاق بكلمة أو بصورة». جاء ذلك بعدما أصدر «الاتحاد الدولي للصحافيين» بياناً الأسبوع الماضي ناشد فيه «عودة آمنة للصحافيين»، معلناً تضامنه مع عائلتهما وزملائهما، مشدداً على حقهما بـ«تغطية الصراع السوري بحرية، من دون خوف من الترهيب والعنف. ويجب ألا يتم التعرّض لهما أو معاملتهما كعدو. وإذا كانا موقوفين أو مختطفين من قبل أي جهة، فإننا نناشدها الإفراج عنهما فوراً».
كثيرون من أهل مهنة المتاعب في لبنان لا يعرفون سمير كسّاب. لدى تخرّجه من الجامعة اللبنانية حيث درس الإعلام المرئي والمسموع قبل أربع سنوات، حزم سمير أمتعته وتوجه إلى الخارج. ابن بلدة «حردين ــ بيت كسّاب» (قضاء البترون ــ شمال لبنان)، يبلغ 28 عاماً، ويقيم حالياً في أبوظبي، وكان من أوائل المصوّرين الذين التحقوا بقناة «سكاي نيوز عربية» عند انطلاقتها في أيّار (مايو) 2012، وهو يعمل في سوريا منذ عامين تقريباً.
رغم محاولاتها الحثيثة، تفشل الشابة رزان حمدان في إخفاء حزنها وقلقها الشديدين على خطيبها الذي لم تتواصل معه منذ مساء الإثنين الماضي، لكنّها في النهاية تنجح في التماسك ولو قليلاً. «ذهب الفريق إلى حلب لتغطية احتفالات عيد الأضحى»، تخبرنا بصوت خافت، وتضيف: «بداية، أخبرتني المحطة بانقطاع الاتصال معهم، طالبة مني ألا أقلق لأنّ المسألة قد تكون طبيعية بسبب ضعف الإرسال في تلك المنطقة. ولكن بعد مرور 24 ساعة على الحادثة، قرّروا إعلان الخبر».
وتؤكد حمدان أنّ إدارة «سكاي نيوز» على اتصال مستمر معها، مشيرة إلى أنّها والعائلة تعملان على إيصال صوتهما إلى المسؤولين في لبنان وفي الخارج للعمل على معرفة مصير الفريق المفقود، مشيرةً إلى أنّهم يحاولون لقاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان قريباً لهذه الغاية. وكانت عائلة كسّاب وأهالي «بلدة حردين ــ بيت كسّاب» قد طالبوا المسؤولين اللبنانيين والمعنيين في المحطة العمل على كشف مصير إبنهم في بيان أصدروه قبل ايام. الجهود الفردية اللبنانية التي تكثّفت للمطالبة بالإفراج عن كساب تواكبت مع جهود مماثلة في موريتانيا. زميل كسّاب الموريتاني إسحاق ولد مختار ذو خبرة صحافية تزيد على عشر سنوات. درس الصحافة في «جامعة نواكشوط»، وتنقّل بين وسائل إعلام مكتوبة ومرئية مختلفة قبل أن يرسو في «سكاي نيوز» العام الماضي. عائلته ركزت أيضاً على أنّه «ليس طرفاً في أي نزاع، وليست له حسابات خاصة مع أي كان»، موجّهة نداء إلى كل من يعنيه الأمر لـ«الحفاظ على سلامته وسلامة زميله».
بدورها، أصدرت المحطة البريطانية بيانات عدّة حول حيثيات القضية، كان آخرها أمس بعنوان «إسحاق وسمير.. الإنسان في قلب الحدث». شددت «سكاي نيوز عربية» على أنّ ردود فعل المؤسسات الإعلامية العربية والدولية ومنظمات المجتمع المدني أعطت زخماً. وتطرّقت إلى «مهنية كسّاب وولد مختار العالية وموضوعيتهما في تغطية الأوضاع في سوريا، إذ ذهبا بحثاً عن صورة وكلمة لوصف وضع إنساني كارثي لم تشهده المنطقة من قبل». وفي إطار تشديدها على الطابع الإنساني لمهمّة الثنائي، تابعت المحطة أنّه «بعيداً عن صوت الرصاص والمدفعية وكلام الساسة، كان الإنسان وحده هو الملهم في تقارير لامست يوميات شعب ممزق. حاول إسحاق نقل شيء مما يعانيه السوريون متطرقاً في كل تقرير لزاوية جديدة لأحداث لا تشير لانفراج قريب»، لافتة إلى أنّ «كلماته لم تكن لتجد وقعها من دون صورة كابد سمير وجاهد لالتقاطها بعدسته رغم المخاطر. فهي عين ترى ما لا تستطيع عين أخرى رؤيته في لحظة تفقد فيها الحياة معاني الإنسانية». وثمّنت المحطة جهود «زميلهما الذي رافقهما على الأرض، وهو مرشد الفريق في أرضه بما يحمل ذلك من تهديدات له ولعائلته».
ويبدو أنّ هوية الجهة الخاطفة لا تزال مجهولةً حتى الآن. ورغم محاولاتنا المتكرّرة للتواصل مع إدارة المحطة الناطقة بالعربية في الإمارات، إلا أنّها فضّلت الاكتفاء بنصوص بياناتها «حفاظاً على سلامة الطاقم». وفي انتظار الاطمئنان إلى سلامة الصحافيين ومرافقهما، يبقى الأمل بأن لا يبقى الإعلام يدفع ثمن الصراعات السياسية!
يمكنكم متابعة نادين كنعان عبر تويتر | KanaanNadine@
1 تعليق
التعليقات
-
الحق على "النظام" طبعاً !!تدخل بعض الكوادر الصحافية إلى سوريا خلسة، من دون إذن الدولة، وبطرق غير شرعية. وهي لا تنفك تدعم طرف معين وتشيطن الحكومة السورية على مدار سنتين ونصف وتعتبر "النظام" بحكم الساقط. ولكن ما أن يتعرض هذا الفريق إلى اختطاف من قبل من يدعمونهم إعلامياً، حتى تأتي الطلبات إلى الحكومة السورية، من جهة تقول "دخيلكن" ساعدونا، ومن جهة تحمّل الدولة السورية مسؤولية حفظ أمن كوادرها التي اختفت في سوريا! بالفعل وقاحة بلا حدود! أما بالنسبة إلى موجة "الإنسانية" التي تعتري معظم وسائل الإعلام المناوئ لسوريا في الأسبوع الأخير، والحديث عن "وصف وضع إنساني كارثي" دون الاعتراف بأن وسائل الإعلام تلك ساهمت وبشكل مباشر في في هذا الوضع الكارثي، و الحديث عن "يوميات شعب ممزق" بسبب الإعلام والتحريض والكذب المتقن، والحديث عن "لحظة تفقد فيها الحياة معاني الإنسانية" هو بفضل تلك القنوات ومموليها وداعميها، الذين يغضون النظر عن جرائم من يدعمونهم بحجج مختلفة، ويحمّلون الدولة السورية كل الحق! بالفعل: إذا لم تستح، فافعل وقل ما شئت !