«وَلعلَّ ما أخشاهُ ليسَ بكائنٍ» ليس عن والد شاوي المستلقي معظم الأوقات على سرير المستشفى، ولا عن والدتها التي تصلّي وتضحك، ولا عن مشكلات شقيقها أو غربة شقيقتها. بل إنه عن كورين شاوي، المرأة التي تحاول من خلال الفيلم أن تفصل نفسها عمّا يجري حولها. وبالرغم من حبها الكبير لأفراد عائلتها الظاهر على الشاشة، إلا أنّها تحاول في الوقت نفسه الابتعاد عنهم أو إنقاذ نفسها من كل ما يحوطها. «وَلعلَّ ما أخشاهُ ليسَ بكائنٍ» هو الوحدة الواعية لتلك الابنة الضالة، التي تحاول إبعاد نفسها، تتحدث إلى والدها من خلال مرآة الحائط. من الصعب عدم التأثر بالعمق العاطفي للفيلم، لأنّه شخصي في جوهره، أرادت شاوي أن تجعلنا جزءاً منها ومن حياتها، لكن من دون رغبة منها بأن نكون عاطفيين. تترك شاوي الباب مفتوحاً لنا ولروحها، وتطلب منا أن نتحلى بالجرأة مثلها، ودخول جسدها أثناء تحليل نفسها. تواجهنا بحقائق تجمع الغياب والحضور والإحباط والأمل والجسد والعقل والمرض والموت في رحلة تشبه المحنة الداخلية.
لم تصور شاوي عائلتها بحنان ولا بعطف. لم تطلب منا البكاء أو التعاطف لا معها ولا مع عائلتها، بل شاركتنا رحلتها الخاصة. رحلة اتسمت فقط بالحميمية في مشاهد شاوي الخاصة، عندما أخذتنا إلى حياتها بعيداً عن عائلتها. هنا عادت إلى ما فعلته في فيلمها الوثائقي الطويل الأول E muet، إلى تفاصيل العيون والجسد واليدين، بعدما كانت بعيدة عنها في المشاهد التي تكون عائلتها فيها. كل شيء موجود داخل إطارات الفيلم، على الرغم من أن لا شيء يحدث معظم الوقت. تُتيح لنا شاوي من خلال مشاهدها رؤية تفاصيل أيامها وملاحظة التغيّرات الطفيفة في حياة عائلتها الروتينية.
تحضرنا روح وثائقيات البلجيكية شانتال أكرمان
حدّثت شاوي عائلتها مباشرة في السيارة، بكاميرا غامرة متعرجة ومكسورة ومهزوزة، مثقلة بالوحدة وعدم الاستقرار السكني، وغياب تلك المودة الأسرية. كامل هو فيلم كورين شاوي الجديد، حيث الذات تشكّل الموضوع الأساسي، والوجود يتجسّد من خلال الأعمال والإيماءات الصغيرة. انتهى الفيلم بكاميرا غير ثابتة، كأنّنا بالمخرجة تقول لنا إنها لم تحدّد مسارها بالكامل: حريّتها مع عائلتها خلف كاميرتها، وحرية العودة إلى الذات، لم تُتَّخذ بعد على الأقل حتى نهاية الفيلم.
* «وَلعلَّ ما أخشاهُ ليسَ بكائنٍ»: س:20:30 مساء 8 نيسان ــ «غراند سينما ـ غالاكسي»