عبد الرحمن الباشا بدأ دراسته في لبنان مع المعلمة التي تركتنا قبل أربع سنوات، زفارت سركسيان، قبل أن ينتقل إلى فرنسا وينهي مشواره الأكاديمي بنجاح تلاه فوزه بمسابقة الملكة إليزابيت عام 1978، الإنجاز الذي أمّن له انطلاقة مهنية محترفة. بعدها بخمس سنوات، أصدر ديسكه الأول المخصص لأعمال بيانو للروسي بروكوفييف وكرّت سبحة الإصدارات التي كرّسته واحداً من أغزر زملائه وأكثرهم منهجية (أقله بين عازفي البيانو اللبنانيين والعرب). سجّل كل أعمال شوبان للبيانو المنفرد بالترتيب الكرونولوجي حسب تاريخ التأليف، وسجّل أيضاً سوناتات بيتهوفن الـ32 مرّتَين(!) أمر لم يفعله سوى قلّة بين عمالقة البيانو منذ بدأ التسجيل (مثل فيلهلم كامبف وألفريد برندل). سجّل أيضاً باخ وموزار (الأقل حضوراً في ديسكوغرافيا الباشا) وشوبرت ورخمانينوف ورافيل (الأعمال الكاملة). وأخيراً، جمَع الباشا عدداً من مقطوعات البيانو من تأليفه وأداها في أسطوانة صدرت تحت عنوان Arabesques.
بيلي عيدي كرّس نشاطه للمؤلفين الفرنسيين من فترة النصف الثاني من القرن التاسع عشر
عبد الرحمن الباشا يزور لبنان بوتيرة عالية نسبياً. فقد قدّم قبل أسابيع قليلة أمسية مع «الأوركسترا الوطنية»، وقبل أشهر اشترك مع زميله بيلي عيدي في أمسية مشابهة لإطلالتهما المقبلة في «بيت الدين»، حيث قدّما تحية لعازفة البيانو ديانا تقي الدين (1933 — 2018) عزف خلالها الباشا بيتهوفن وعيدي شوبان ورافيل واجتمعا في عمل لغريغ. بيلي عيدي أيضاً يزور لبنان من وقت إلى آخر، ولو بوتيرة منخفضة نسبةً إلى شريكه (قدّم أمسية في بيروت قبل سنتين، بالإضافة إلى أمسيته المشتركة مع الباشا السنة الماضية). إنه عازف بيانو مخضرم، بدأ دراسته في لبنان، وأكملها في أوروبا (النمسا وإيطاليا) قبل أن يستقر في فرنسا. كرّس نشاطه المسجّل وبرامج أمسياته للمؤلفين الفرنسيين من فترة النصف الثاني من القرن التاسع عشر وما بعدها (ساتي، دوبوسي، رافيل، بولنك، روسّيل، سوغيه، ساكر، دولاج، شوسون،…) وفي رصيده عدد محدود نسبياً من الإصدارات. بخلاف الباشا، الذي سبق أن شارك في المهرجانات الصيفية اللبنانية («بعلبك» في دورتَي 2008 و2011)، هذه تُعَد سابقة في مسيرة عيدي. أما برنامج أمسيتهما في «بيت الدين» فلم يُعلَن إلا الجزء المشترك منه، ذاك الذي يجمعهما في عمل للنروجي إدوارد غريغ، ما يبقي عنصر المفاجأة قائماً لناحية ما اختاره كل منهما. وهنا الاحتمالات مفتوحة على كمٍّ هائل من الأعمال التي لن تخلو بالتأكيد من عناوين معروفة ترضي الجمهور العريض، على رأسها طبعاً تلك التي تحمل توقيع شوبان.