أسعد أبو خليل
أنا كنت من أشدّ المعجبين بغادة عيد. فقد نجح برنامجها في استقطاب الاهتمام وجذب المشاهدين، وحلّ القضايا أحياناً من دون الإسفاف المبتذل الذي اعتمده برنامج مالك مكتبي مثلاً، الذي يستحق أن يوصف بـ«جيري سبرنغر لبنان». وهذا ليس إطراءً. واستخدام غادة عيد للإعلام هو أفضل استخدام: أي مناصرة المواطنة والمواطن المقهور، وفضح الفساد المستشري في كل مكان. وتستحق عيد الإعجاب لقوّة شخصيّتها وسرعة بديهتها وحسن إعدادها وسعة إدراكها وثبات موقفها وعناد رأيها دفاعاً عن الحق، إضافةً إلى عدم ظهور أي خنوع لها أمام السياسيّين في وطن يسارع فيه الجميع إلى الترحيب بكل سياسي بعبارة «أنت سيدنا». وتناولت عيد في برنامجها مواضيع متنوّعة متمتّعة بجرأة محطة «الجديد»، التي لها من الهامش ما ليس لغيرها (مع وجود محاظير قطريّة وليبيّة مستجدّة). وبرنامج «الفساد» قد يكون من أفضل البرامج التلفزيونيّة الهادفة وأكثرها فائدة على الإطلاق.
وتستحق عيد التأييد هذه الأيام وهي تتعرّض لملاحقة مشبوهة في سرعة تطبيقها. لا نلاحظ أنّ سرعة التنفيذ والتحرّك معروفة لدى القضاء في لبنان أو أجهزة الأمن، لكنّ القضاء تحرّك بسرعة فائقة لأنّ الأمر يتعلق بواحد منه. واسطة في واسطة في واسطة. كالعادة. لكن ماذا تقول في جهاز قضائي قبِل أن يسلّم أمره لجهاز قضائي دولي، كأنه يعترف في ذلك بفساده وعجزه؟ ومن المريب أنّ هؤلاء الصحافيّين والصحافيّات الذين واللواتي كانوا يرفعون الأقلام في حملات تضامن مع صحافيّين من إعلام الحريري وآل سعود فقط لم يتضامنوا مع عيد، ولم يرفعوا صوتاً. لأن هؤلاء مع حريّة الصحافة، للبعض فقط. لكن نحن في بلد تصبح فيه حتى منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان مُسيّسة ومُكرّسة لخدمة قضايا لا علاقة لها بحقوق الإنسان. نحن نتحدّث عن وطن ينتقل فيه صحافيّ، مثل بيار عطا الله، من حراسة الأرزة إلى ادّعاء الدفاع عن حقوق الإنسان.
رفعوا أقلامهم تضامناً مع صحافيين من إعلام الحريري و... «نسوا» عيد
لكنّ عيد ارتكبت معصية أخرى عندما قبلت حماية من قريبها. الوزير (غير الظريف) إيلي ماروني، الذي ينتمي إلى حزب الكتائب اللبنانيّة، والذي لم يجر ِ التعرّض له في برامج غادة عيد بعد. وقبول عيد حماية (أو حتى زيارة) ماروني هي الواسطة بعينها. المواطن العادي لا يحظى بحماية وزير، وهذا ما فات عيد على ما يبدو. وماروني اعترف في حديث صحافي بأنه أحياناً يتصل بعيد للتدخل في مواضيع برنامجها. كان يجب على عيد أن تقطع أي صلة بينها وبين ماروني من أجل الصدقيّة.
ليست هذه كلمة تقريع ضد غادة عيد. إنّها كلمة حرص على غادة عيد، وعلى سمعتها وسمعة برنامجها. هي أهم من امرأة القيصر.
بداية «القصة»
في 31 تموز (يوليو) الماضي، طوّقت عناصر من الشرطة القضائية مبنى تلفزيون «الجديد» بهدف تنفيذ مذكرة توقيف بحق غادة عيد على خلفية دعوى رفعها عليها القاضي شهيد سلامة بجرم القدح والذم والتشهير. وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الإعلامية اللبنانية مشكلات مع القضاء. إذ أصدر قاضي التحقيق في بيروت، عبد الرحيم حمود، قراراً ظنياً بحقها، في أيار (مايو) 2007، قضى بإيجاب محاكمتها أمام المحاكم الناظرة في قضايا المطبوعات بتهمة القدح والذم. وذلك بعدما تقدّم أحدهم بشكوى ضدها، رأى فيها أنها ألصقت به تهماً، تتعلّق بسوء ممارسته لوظيفته في وزارة الصحة، وذلك في إحدى حلقات «الفساد»