وهذه ليست العقبة الوحيدة أمام هذه الخطّة. فمسألة توحيد سعر الصرف، بما فيها ما يسمى «الدولار المصرفي» وإصدار تشريعات تحمي الدولارات «الفريش»، ليست أمراً سهلاً طالما أن الأمر مرتبط بحقوق المودعين الذين لا ينال بعضهم من كل ودائعه سوى 400 دولار شهرياً، وبعضهم الآخر يحصل على 300 دولار وغيرهما على 150 دولاراً. المهم، أن التمييز بين دولارات الودائع التي ستُحتسب في ميزانيات المصارف بسعر مختلف عن سعر القروض، ليس مسألة عابرة بالنسبة إلى المصارف الأجنبية التي سترى في الأمر عقبة تتعلق بتقارير التدقيق والتأثير على سمعتها العالمية. كما أنه بالنسبة إلى المصارف الأجنبية، ترتبط ضرورة توحيد سعر الصرف، بمجموعة واسعة من عمليات الاستثمار التي ستقوم بها في لبنان من ضمنها الإقراض في السوق وشراء الأسهم والسندات، فضلاً عن الضمانات القضائية الملازمة في هذه الحالة...
فوق ذلك كلّه، ثمة مسألة أساسية تتعلق بما يرتّبه هذا الحلّ على الخزينة اللبنانية من أكلاف قد لا يكون هناك استعداد لسدادها في ظل شحّ الموارد الحالية بالعملات الأجنبية. فهل سيعمل ميقاتي على أن يوظّف موارد الدولة بـ«الفريش» من أجل خدمة الدائنين لخلق مصارف جديدة في لبنان تلبية للضغوط الأميركية، بينما يحتاج لبنان إلى توظيف هذه الموارد في خدمة الاقتصاد؟ هل سيوافق منصوري على تسديد جزء من سيولة مصرف لبنان بالعملة الأجنبية (المسماة أموال المودعين) لتنفيذ خطّة كهذه؟
استحضار مصارف أجنبية إلى لبنان بضمانة حماية رؤوس أموالها وتوظيفاتها
على أي حال، يبدو أن الترتيبات التقنية تحرّكت سريعاً في اتجاه هذا الملف العالق منذ توقف لبنان عن الدفع في آذار 2020. فبحسب المعلومات المتوافرة، يحاول ميقاتي الإيحاء بموافقة فرنسية على هذا الاقتراح، لذا يعمل على تسريع وتيرة العمل القانوني والمالي بالتعاون مع وزير العمل السابق كميل أبو سليمان، كونه مطّلعاً على إصدارات اليوروبوندز وبنود عقودها، ومع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي ينسّق أيضاً مع أبو سليمان. فهذا الأخير شريكاً في مكتب للمحاماة في أميركا وهو مختصّ بالقضايا المالية وكان يمثّل الدولة اللبنانية في إصدارات اليوروبوندز، فضلاً عن أنه مثّل مصرف لبنان، أخيراً، في القضايا التي رفعها مودعون ضدّه في أميركا أخيراً. وأبو سليمان سبق أن اقترح في عام 2021 أنه يجب على الدولة اللبنانية أن تشتري سندات اليوروبوندز من الأجانب مع علاوة طفيفة على سعر الشراء. يومها قال إنه من الأجدى للحكومة اللبنانية ومصرف لبنان أن يدرسا شراء سندات اليوروبوندز من خلال إطلاق عرض عام لشرائها أو لشراء بعضها بسعرٍ لا يتعدّى 15 سنتاً لكل دولار. وأشار إلى أنه بموجب هذه العملية يمكن إطفاء جزء كبير من الدين الخارجي وتحقيق وفر على الخزينة اللبنانية. وبحسب المصادر، فإن أبو سليمان قدّم ورقة رسمية بهذا الشأن للحكومة اللبنانية قبل نحو سنة، لكنه أبلغ ميقاتي أنه لا يمكن شراء أكثر من 10% من كل شريحة إصدارات إلا بموجب «عرض عام للشراء» وفق ما تنص عليه بنود عقود اليوروبوندز. ورغم تفهّم منصوري لعقبات شراء السندات، إلا أنه هو الآخر بدا متحمّساً لمشاركة مصرف لبنان في هذه العملية، من دون أن يتضح إذا كان سيشارك من خلال تمويلها بجزء من سيولته بالعملة الأجنبية أو بإدارة العمليات لحساب المصرف الأجنبي أو المصارف الأجنبية المتوقّع قدومها إلى لبنان، إذ إن مشاركته تطمئن المصرف الأجنبي على أن استثماره في لبنان سيكون مربحاً ومحمياً.
في حسابات ميقاتي ومنصوري، ليس ضرورياً أن يكون الأمر مرتبطاً بالاقتصاد. فالاقتصاد بالنسبة إليهما، وإلى كثيرين آخرين مماثلين، هو القطاع المصرفي وإدارة التدفقات النقدية من الخارج إلى الداخل. بهذا المعنى، إن استمرار التدفقات من المغتربين هو الأمر الذي يدفع ميقاتي ومنصوري إلى الحديث عن التعافي. فهما لا ينظران إلى التشوّهات الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت بفعل الأزمة من هجرة الشباب وتقلص فرص العمل واقتصارها على وظائف متدنية القيمة وعلى صعوبات الإنتاج المحلي والتصدير... كل هذه المسائل هي خارج نطاق اهتمامهما الذي ينحصر بتلبية الأوامر الأميركية القاضية بإنهاء اقتصاد الكاش.
7 سنتات
هو السعر السوقي الأقصى لسندات اليوروبوندز كما هي عليه في بورصة أمس، ما يعني أن قيمتها السوقية تساوي 7% من قيمتها الاسمية، أي 6 سنتات مقابل كل دولار. وكانت الصناديق الأجنبية قد اشترت بعض هذه السندات بأسعار تصل إلى 12 سنتاً مقابل الدولار وسط توقعات بأن سعر التعافي سيكون 25 سنتاً مقابل الدولار في أدنى مستوى، وقد يصل إلى 40 سنتاً مقابل الدولار
31.3 مليار دولار
هي قيمة محفظة سندات اليوروبوندز التي أصدرها لبنان في سنوات ما قبل الانهيار في عام 2019 وهو توقف في آذار 2020 عن دفعها وبلغت قيمة الإصدارات المستحقة 8.2 مليارات دولار. تحمل المصارف، كما في نهاية 2019 نحو 13.8 مليار دولار من هذه السندات لكن حجم محفظتها اليوم لم يعد واضحاً بعدما باعت قسماً من السندات لجهات أجنبية وأخذت مؤونات تجاه خسائرها المتوقّعة من هذه السندات على مراحل مختلفة، إلا أنها تسجّل اليوم في ميزانياتها محفظة بأقل من 4 مليارات دولار. كما يحمل مصرف لبنان من هذه السندات نحو 5.03 مليارات دولار يسجّلها ضمن موجوداته بالدولار المحلي ولا يحسبها ضمن سيولته بالعملة الأجنبية. وبالتالي، فإن الحسابات تشير إلى أن حجم السندات التي يحملها أجانب يُقدّر بنحو 12.48 مليار دولار.