أنقر على الرسم البياني لتكبيره
في ذلك الوقت، كان خيار الاستدانة سهلاً على هذه الدول. فالظروف النقدية العالميّة، التي فرضتها الدول المتقدّمة من خلال خفض معدلات الفائدة فيها إلى مستويات قريبة من الصفر، انعكست على باقي معدلات الفائدة في العالم وسهّلت استدانة الدول النامية. أما اليوم، فقد بدأت تظهر المفاعيل التضخمية لتريليونات الدولارات واليورو التي ضخت في السوق أثناء جائحة كورونا، ثم ازداد الأمر سوءاً بفعل تداعيات الحرب الروسيّة - الأوكرانيّة التي اندلعت في نهاية شهر شباط الماضي وسبّبت خضّة في أسواق النفط والغاز والسلع الأساسية حول العالم، ما أدّى إلى ارتفاعات إضافية في معدلات التضخّم. فما كان من المصارف المركزيّة في الدول المتقدّمة إلا أن بدأت برفع الفوائد بهدف لجم الاستهلاك في الأسواق، وبالتالي خفض الأسعار. لكن رفع الفوائد في الدول المتقدّمة يعني ارتفاع كلفة الاستدانة لدى الدول النامية أيضاً، لأنه يجبر هذه الدول على رفع الفوائد عندها لتبقى قادرة على جذب رؤوس الأموال. هذا الأمر وضع الدول النامية في وضع ترتفع فيه مخاطر الأزمات المالية، كما حصل في سريلانكا في الأشهر الماضية.
بشكل عام، الدول النامية التي تعاني من مستويات ديون مرتفعة ستلجأ إلى خفض إنفاقاتها على الخدمات الأساسية، لأن كلفة خدمة الدين ستأخذ حصّة أكبر من موازنات الدول. بحسب الأمم المتحدة، إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، بدأت دول مثل الكاميرون، ليبيريا، موريتانيا، ميانمار ونيبال بهذه الإجراءات. وبحسب موقع debtjustice.org، الدول التي تدفع أكثر من 15% من إيراداتها على الديون وخدمتها، تواجه انخفاضاً بنسبة 3% في الإنفاق العام منذ عام 2019، وهذا الرقم من المتوقّع أن يرتفع في المستقبل مع تضخّم خدمة الدين بفعل ارتفاع الفوائد عالمياً. هذا الأمر سيخلق أوضاعاً اقتصادية صعبة في جزء كبير من الدول النامية، وسينعكس على الأوضاع المعيشيّة لسكّان هذه الدول، الذين لا يزالون يعانون أصلاً من نتائج جائحة كورونا على اقتصاداتهم.