طهران: من يأتي بعدوّنا الأوّل إلى الخليج، سوف يجلب عدم الأمن لنفسه وللمنطقة
أما في ما يتّصل بالعقبات السياسية التي تعترض مشروعاً كهذا، فستحتاج واشنطن إلى تغيير النظام في العراق، وهي مهمّة فشلت فيها على رغم كل سنوات احتلالها المباشر له، لتنسحب منه خالية الوفاض، ما خلا الإبقاء على بضع مئات من الجنود المختبئين في بعض القواعد العسكرية تحت عنوان التدريب والمساعدة التقنية. وحتى الاختراق في أربيل، ثبت أنه تحت مرمى الصواريخ الإيرانية. وكذلك ثبت عقم الاختراق السياسي في الداخل المتمثّل بمحاولة تركيب حكومة صديقة للولايات المتحدة وأنظمة الخليج في بغداد. وسيتعيّن على الأميركيين أيضاً إحداث تعديلات على النظام السياسي في الكويت، ولا سيما تعطيل مجلس الأمّة الذي يعكس، إلى حدّ كبير، معارضة الشعب الكويتي الشديدة للتطبيع. وعلى رغم الكلام الكثير عن وجود مخطّط لدى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لضرب هذا المجلس الذي تُسبِّب طبيعته المشاكسة وجع رأس لأنظمة الخليج التي لا تسمح بأي شكل من أشكال الاعتراض، غير أن التقاليد السياسية في الكويت أعرق من أن يستطيع وافد حديث على السياسة إطاحتها. أما بالنسبة إلى قطر وسلطنة عُمان، فيصعب تصوّر أن تنخرطا في مشروع ينطوي على تحدٍّ مباشر لطهران، نظراً إلى العلاقات الجيّدة التي تجمع البلدين بإيران. ويضاف إلى ذلك كله، أن ابن سلمان نفسه الذي يفترض أن يلعب دوراً محورياً في الترتيبات الجديدة، بحسب التصور الأميركي والإسرائيلي، قد لا يستطيع تسويق مشروع كهذا في السعودية، نظراً إلى حساسيته في بلاد الحرمَين، وهذا ما يؤخّر، على ما يبدو، حتى الآن، زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المملكة، بعدما جعل الأميركيون والإسرائيليون التطبيع السعودي مع إسرائيل، ثمناً لموافقة بايدن على رعاية نقْل السلطة في المملكة إلى ولي العهد، حيث قِيل إن تأجيل الزيارة من حزيران الجاري إلى تموز المقبل، حصل لإتاحة المجال أمام مزيد من التحضيرات على صعيد التعاون الأمني السعودي والخليجي مع إسرائيل.
ولم تتأخّر إيران في الردّ على الاستفزاز الإماراتي والبحريني، فانتقل قائد القوات البحرية في الحرس الثوري، الأميرال علي رضا تنكسيري، إلى جزيرة طنب الكبرى المحاذية للإمارات ليتفقّد جاهزية القوات هناك بعد التطوّر الأخير، وحذر من أن جلب إسرائيل إلى الخليج سوف يزعزع الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمّة، موجّهاً نصيحة إلى «أصدقائنا وإخوتنا في دول الجوار من أن مَن يأتي بعدوّنا الأوّل، قاتل الأطفال النظام الصهيوني، إلى الخليج، سوف يجلب عدم الأمن لنفسه وللمنطقة».
عندما كانت الولايات المتحدة بقوّتها الكاملة في الخليج الذي اتّخذت منه قاعدة خلفية ولوجستية لعملياتها في أفغانستان والعراق وسوريا، لم تستطع تبديد قلق أنظمته الخائفة. ولذا، فإن الرهان على عودة أميركا للقيام بهذا الدور، بعد سحب معظم قواتها من المنطقة، هو وهم. أما الاستناد إلى التحالف مع إسرائيل، فقد يأتي بمفعول عكسي، نظراً إلى ما يمثّله من استفزاز لشعوب الخليج، والدول المحاذية له.