كذلك، تشهد الساحة السورية تصعيداً متواصلاً من قِبَل تنظيم «داعش»، الذي يشنّ بشكل مركّز هجمات مباغتة على مواقع سيطرة الجيش السوري تارة، وعلى مواقع سيطرة «قسد» تارة أخرى. وهو نشاط ارتفعت وتيرته بشكل كبير بعد هروب، أو تهريب، قياديين من التنظيم كانوا مسجونين في سجن «الصناعة» في الحسكة، وسط اتّهامات تُوجّهها دمشق إلى واشنطن بتقديم المساعدة للتنظيم وإعادة إحيائه، لما يشكّل حضوره من غطاء لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في البلاد، والذي أعلنت واشنطن أن هدفه «محاربة الإرهاب». وعلى خطوط التماس في إدلب وريف حلب، عادت مرّة أخرى عمليات القصف والاستهداف بشكل متواتر، من دون أيّ تغييرات في خريطة السيطرة، في وقت تشهد فيه مناطق انتشار الفصائل المعارضة في ريف حلب اقتتالاً متزايداً بين الفصائل التي تسعى إلى الاستحواذ على المشهد الميداني. ويأتي هذا بينما تترقّب تركيا الفرصة المناسبة لتوحيد المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال والشمال الغربي من سوريا تحت قيادة عسكرية واحدة، يُعتبر أبو محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام»، المرشّح التركي الأبرز لقيادتها عسكرياً، بعد نجاحه في بسط سيطرته على إدلب، والتزامه بالاتفاقات التي أبرمتها تركيا مع روسيا، إضافة إلى استقلاليته المالية عن أنقرة، وقبوله في واشنطن، بالرغم من تصنيفه، حتى الآن، على «لوائح الإرهاب».
وبالعودة إلى جلسة مجلس الأمن، فقد أبدى مندوبو الدول دعمهم لجهود بيدرسن، وهو الدعم نفسه الذي تلقّاه في الجولة السابقة، في وقت طفت فيه على السطح مرّة أخرى مسألة المساعدات، مع اقتراب انتهاء مفاعيل القرار 2585 الذي وافقت عليه روسيا - على مضض - لإدخال مساعدات عبر خطوط التماس ومعبر باب الهوى، والذي تمّ اعتماده لستّة أشهر وتمديده لستّة أشهر أخرى وفق الآلية المتّفق عليها سابقاً، بعد تعهّدات أميركية بتقديم دعم وتسهيلات لعملية «التعافي المبكر».
تأتي هذه الجولة من اجتماعات «الدستورية» وسط تجاذب إقليمي ودولي مقرون بتصعيد ميداني
وبينما تنتهي مفاعيل القرار بشكل كامل في العاشر من تموز المقبل، طالبت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، بتمديده. لكنّ المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أعاد التذكير بموقف روسيا الرافض للتمديد، في ظلّ استمرار تمرير المساعدات عبر الحدود وتجاهل مرورها عبر خطوط التماس، الأمر الذي يرسّخ حالة التقسيم الموجودة حالياً، ويضع المعونات في قبضة فصائل «إرهابية». وأشار نيبينزيا إلى أن «الوضع لم يتغيّر بعد 9 أشهر من قرار مجلس الأمن تمديد عمل معبر باب الهوى حيث كان الغرض من هذا القرار وصول المساعدات إلى جميع أنحاء سوريا والعمل على التعافي المبكر، ولكن خلال هذا الوقت تمكّنت ثلاث قوافل فقط من العبور إلى إدلب ولا يوجد أيّ إمداد لشمال البلاد من دمشق على الإطلاق». ويفتح الإصرار الروسي على رفض آلية إدخال المساعدات، الباب على مصراعَيه أمام جولة مفاوضات ومناوشات سترتفع وتيرتها خلال الشهرَين المقبلَين، الأمر الذي قد يفضي إلى إنهاء هذه الآلية بشكل كامل، أو استمرارها مقابل تسهيلات أميركية جديدة من شأنها تقديم دفعة للاقتصاد السوري، إضافة إلى تعظيم دور دمشق في تلك العملية.
بشكل عام، لا تشير الظروف السياسية والميدانية إلى إمكانية تحقيق خرق خلال جولة «الدستورية» المقبلة، وسط حالة القبول الأميركية بالأوضاع الراهنة، والرفض السوري والروسي لأيّ استثمار سياسي لهذه الاجتماعات لتمرير مشاريع تقسيمية أو فتح ثغرات يمكن استثمارها مستقبلاً لقلْب المعادلات السياسية في الساحة السورية، ليبقى المتغيّر الوحيد وسط كلّ تلك الأجواء الترتيبات والأولويات التركية، والتي قد تعطي دفعة للمعارضة، وتفتح بعض الأبواب المغلقة التي من شأنها أن تسرّع في ملفّ اللاجئين، الأمر الذي يمثّل مكسباً لإردوغان في سباقه الانتخابي.