هكذا، وفي الوقت الذي تتّجه فيه أنظار المراقبين إلى صنعاء لتلمّس نجاح الهدنة من عدمه، تنتظر المحافظاتِ الجنوبية تحوّلاتٌ عسكرية وأمنية تبدو خارجةً من سياق الاتفاق، الذي عُنيت شروطه في المقام الأول بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، فيما لم تتطرّق إلى المطارات والموانئ الجنوبية. وفي حال التزم التحالف السعودي - الإماراتي بتنفيذ تلك الشروط، فإن صنعاء ستتنفّس الصعداء، في حين ستظلّ عدن وبقيّة المناطق الجنوبية تختنق بالحصار المفروض على موانئها ومطاراتها، فضلاً عن استمرار الانقسام الأمني والعسكري بين القوات المحسوبة على ما كانت تُسمّى «الشرعية» من جهة، و«الانتقالي الجنوبي» من جهة أخرى، وهو الانقسام الذي تغذّيه الرياض وأبو ظبي منذ أكثر من أربع سنوات.
إزاء ذلك، ترتسم تساؤلات كثيرة حول كيفية تمكُّن صنعاء من إملاء شروطها على «التحالف»، في الوقت الذي فشلت فيه الأطراف الجنوبية الموالية للأخير في إدراج بعض الملفات المهمّة - بالنسبة إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها - ضمن اتفاق الهدنة، ومنها فكّ الحصار عن مطار الريان في حضرموت، ومطار الغيضة في المهرة، وهما المطاران اللذان حوّلتهما السعودية والإمارات إلى ثكنات عسكرية، إضافة إلى تسليم الموانئ ومنشأة بلحاف الغازية للحكومة التابعة لـ«التحالف»، ولو من باب ذرّ الرماد على العيون، خصوصاً أن الكثير من الجنوبيين تساءلوا فور إعلان الهدنة: «ماذا عن مطاراتنا وموانئنا»؟
تدفع الإمارات بـ«الانتقالي» للسيطرة على بقيّة المحافظات الجنوبية الخارجة من قبضته
تتكاثر الأسئلة في هذا الصدد، على رغم ثبوت قناعة لدى الجنوبيين بأن الأطراف الموالية للرياض وأبو ظبي لا تملك أن تطرح شروطها أمامها، أو أن تفتح ملفّات كهذه معهما، لأسباب كثيرة لعلّ أهمّها الاتفاق المسبق الذي أبرمه «التحالف» معها وفق معادلة: المال والسلاح والسلطة، مقابل عدم الخوض في القضايا السيادية في البلاد. ومن هنا، تبدو صنعاء الطرف الوحيد الذي يفاوض السعودية والإمارات على قضايا من ذلك النوع، الأمر الذي قد يحفّزها على ملء الفراغ جنوباً، في ظلّ غياب القوى الوطنية الجنوبية أو ضعفها أمام سياسة الترغيب والترهيب التي انتهجها «التحالف» لاحتلال الجنوب.