تصريحات بيدرسون حول جود توافق أميركي – روسي في سوريا، أتت في وقت ترتفع حدّة المواجهة السياسية بين البلدين في ملفات عدّة، أبرزها الملفّ الأوكراني. كما أنها تتعارض مع الموقف الروسي الحازم إزاء الوجود الأميركي في سوريا، والذي تتّهمه موسكو، إضافة إلى أنه يشكّل عثرة في طريق التسوية ويسعى إلى تقسيم سوريا عبر السيطرة على منابع النفط ودعم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، بتقديم مساعدات لجماعات «إرهابية» في شمال غربي البلاد، وفق بيان أصدرته البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة، والتي ذكرت في بيانها أن «الولايات المتحدة لا تدّخر جهداً لإعادة تكوين صورة قاطعي الرؤوس في إدلب، وتقديمهم كأنهم بديل للحكومة في دمشق».
تصريحات بيدرسون جاءت في وقت يشهد ملفّ المساعدات إلى سوريا جدلاً كبيراً
كذلك، تأتي هذه التصريحات في وقت يشهد ملفّ المساعدات إلى سوريا جدلاً كبيراً، وسط محاولات واشنطن فتْح خطوط إمداد عبر الحدود (من دول الجوار إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة)، أو على أقلّ تقدير ضمان استمرار الوضع القائم (ثمّة معبر واحد حالياً هو باب الهوى مع تركيا)، وهو ما أكّدت موسكو معارضتها له لأسباب عدة، أبرزها أنه يساهم في ترسيخ حالة التقسيم القائمة، إضافة إلى استغلاله في تقديم الدعم للجماعات المسلحة، ومن بينها فصائل «إرهابية»، على أن يكون البديل، وفق مقترح موسكو، تمرير هذه المساعدات عبر خطوط التماس من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق المعارَضة، بما يضمن عدم وصولها إلى الفصائل «الإرهابية»، وكسْر الجمود على خطوط التماس.
ومدّدت الأمم المتحدة العمل بالقرار 2585، الذي يسمح بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى فقط، إضافة إلى خطوط التماس، من دون إجراء تصويت، لستّة أشهر، بعد أن قدّمت واشنطن، وفق ما سرّبت مصادر ديبلوماسية آنذاك، تعهّدات بزيادة كمّيات الدعم الممرَّر عبر الخطوط، إضافة إلى تقديم تسهيلات لمنظّمات الأمم المتحدة ومنظّمات إنسانية لتنشيط مشاريع «التعافي المبكر»، وغضّ الطرف عن مشاريع اقتصادية عديدة بين سوريا ودول الجوار، ما يعني تأجيل النقاش في هذه المسألة بضعة شهور ليعاد فتحها مرّة أخرى.
ويتزامن ذلك مع زيادة الولايات المتحدة نشاطها في الملفّ السوري، وإعلانها الإبقاء على قواتها بذريعة «محاربة الإرهاب»، وما تبع هذا الإعلان من صعود مفاجئ لنشاط «داعش»، تجلّى آخر مظاهره في الهجوم الذي تعرّض له «سجن الصناعة» في الحسكة، والذي كان يضمّ حوالي 5 آلاف معتقل من التنظيم بينهم قياديون من الصف الأول، هرب منهم حوالي 200 عنصر إلى مكان مجهول، وسط شكوك في نقلهم إلى البادية السورية بإشراف أميركي. وإذا ما صحّت تلك الشكوك، فقد تنجم عن نقلهم عودة فعلية لنشاط التنظيم، في ظلّ وجود مقاتلين تابعين له منتشرين في جيوب عدّة في البادية، ووجود خطوط دعم مباشرة له عبر قاعدة التنف الأميركية على المثلّث الحدودي مع العراق والأردن.