وعلى رغم أن تحفظات المجلس على الوثيقة لم تُعرف بعد، إلا أن الخلاف يبدو بائناً حول «المجلس السيادي»، وهو ما ركزت عليه «لجنة الوساطة»، التي قدمت اقتراحاً يتلخّص بتشكيل مجلسين: الأول «سيادي» يغلب عليه المدنيون (7 مدنيين، و3 عسكريين)، برئاسة رئيس المجلس العسكري، ونائبين، أحدهما عسكري والآخر مدني، ويختص بالسلطات السيادية كما ورد في الإعلان الدستوري، والثاني «أمني» يغلب عليه العسكريون (يسمى «مجلس الأمن والدفاع القومي»، مؤلف من 7 عسكريين و3 مدنيين)، على أن يتبع الأخير «المجلس السيادي» برئاسة عبد الفتاح البرهان. لكن بعيداً من الوساطة، التي لا تزال قيد الدراسة لدى الطرفين بحسب ما أكد البرهان لدى لقائه أعضاءها وطلبه منهم عرضها على قوى «الحرية والتغيير لدراستها أيضاً»، ثمة «خطوط حمر» بدأ «المجلس العسكري» يحددها على طاولة المفاوضات، منها ما تحدث عنه أمس، عبد الخالق سعيد، من أن «المجلس لن يقبل بأغلبية من المدنيين في أي مجلس مؤقت لتقاسم السلطة».
طول أمد المفاوضات وتعثرها ليسا في مصلحة أيٍّ من الطرفين
وفيما يتجه «العسكري» نحو رفض الوثيقة، على ما يبدو، تستمر حشود المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش في العاصمة للجمعة الرابعة على التوالي بالازدياد، للمطالبة بتسليم السلطة إلى المدنيين «فوراً»، ورفض وعد «العسكري» بتسليمها خلال عامين، ما يشي بأن المشهد يزداد تعقيداً اليوم، لكن طول أمد المفاوضات وتعثرها لا يبدوان في مصلحة أيٍّ من الطرفين. فبالنسبة إلى المجلس العسكري، يمكن الضغط الشعبي المتواصل أن يؤثر من جديد بضباط الجيش الأقل رتبة، وبالتالي الدفع إلى «انقلاب جديد»، لا يستبعده مراقبون، كالكاتب السياسي محمد عبد القادر، الذي حذّر من سيناريو كهذا إن لم ينجز الطرفان اتفاقاً سريعاً، فيما توقع القائد العسكري السابق الفريق أول محمد بشير سليمان «حدوث انقلاب من داخل المجلس العسكري أو من المؤسسة العسكرية، في حال استمرار حالة الاحتقان وعدم الوصول إلى اتفاق»، مشيراً إلى أن «هناك ضباطاً في القوات المسلحة لا يرضيهم ما يجري الآن من إضعاف لهيبة المؤسسة العسكرية»، في ظل ما وصفها بـ«حالة السيولة الأمنية، وعدم الاستقرار وغيرها من عوامل الاضطراب». وهو ما يتبدّى في تهديد رئيس «تجمع قدامى المحاربين»، اللواء محمد علي حامد، «بحمل السلاح حال عدم تنفيذ مطالب الثورة». و«قدامى المحاربين» يقاربون مليوني جندي وضابط، فُصلوا من الخدمة في عهد النظام البائد. كذلك، لا تزال العوامل التي أشعلت فتيل الاحتجاجات في كانون الأول/ ديسمبر الماضي قائمة، إذ اصطفت طوابير أمام الصرافات الآلية من جديد لشحّ السيولة، فيما عادت أزمة الوقود لتطلّ برأسها.
أيضاً، لا يبدو طول أمد الأزمة في مصلحة قوى «الحرية والتغيير»، التي تعيش تبايناً في المواقف، بين تلك التي يطلقها «تجمع المهنيين السودانيين» للضغط بالشارع، والتي يطلقها قيادات حزب «الأمة القومي» برئاسة الصادق المهدي، الذي بات يحذّر قادة الاحتجاجات من «استفزاز» أعضاء «العسكري» أو «حرمانه شرعيته»، في ظلّ حديث عن زيارات قيادات حزبية دولة الإمارات سراً، كنائبة الصادق المهدي وابنته مريم، ورئيس «الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال»، مالك عقار، ونائبه ياسر عرمان، والقيادي في الحركة إسماعيل جلاب، والأخيرون كانوا قد رفضوا التغييب «المتعمد» لهم عن المفاوضات، على رغم أنهم يؤكدون استمرارهم في الانضواء تحت لواء تحالف «الحرية والتغيير».