في ما يلي، منشورات لأكاديميين علقوا على التظاهرات الطالبية في الجامعات الأميركية تضامناً مع غزة. تحمل هذه التعليقات آراء تتفاعل مع تفاصيل الصورة الآتية من أحرام تلك الجامعات
عبد الرحيم الشيخ *
بين مكتب إدوارد سعيد في «مبنى الفلسفة» ومكتبة إدوارد سعيد في «مكتبة بتلر»، أعلن طلبة جامعة كولومبيا الساحة المركزية في الحرم الجامعي الأكبر في نيويورك «منطقة محررة» تضامناً مع غزة وفلسطين التي صارت كلها قدس. وفيما تتعالى الأصوات المطالبة باستقالة رئيسة الجامعة (العربية بالولادة) لتواطئها مع الجماعات الصهيونية وأجهزة القمع ورئيس البلاد الخرف، يتعرض الأساتذة الفلسطينيون والعرب وأنصارهم، في كولومبيا وجامعات نيويورك وبقية الجامعات الأمريكية، للاعتقال والملاحقة ومواجهة العرائض الداعية إلى طردهم. لم يتوقف المعادون للضمير الحي وقضية العدالة والحرية في فلسطين عن وصف كولومبيا بأنها «بيرزيت على [نهر] الهدسن»، تحريضاً على الأصوات الحرة فيها منذ حركة «الفهود السود» وحتى حراك «الطلبة من أجل غزة»... لكن الطلبة الذين يرون فظائع الإبادة في غزة وعموم فلسطين، يعرفون أن الكاميرا لا يمكن أن تكون لاسامية، ويسخرون من مباني المعرفة المهيمنة التي تطغى على مليوني كتاب في «مكتبة بتلر» التي لا تحمل زخارف مبناها إلا الأسماء البيضاء. تحية لطلبة كولومبيا وأساتذتهم ومناصريهم، إلى جوزيف مسعد وكورنيل وست وسنان أنطون ولكثيرين غيرهم ممن امتلكوا شجاعة إعلان الموقف الآن وفيما مضى... ولا عزاء للحركة الطالبية والأساتذة في جامعات فلسطين، إلا حين يستعيدون دورهم في تبني شعار «ممنوع أي ممنوع» في وجه الاحتلال ووكلائه.
* أكاديمي فلسطيني - من صفحته في «فايسبوك»
في تاريخ 24 نيسان 2024


خالد عودة الله *
حول المقارنة الساخطة ما بين فوران الحركة الطالبية في الجامعات الأمريكية وموات الحركة الطالبية العربية:
1. يمكن تفهم البعد التحريضي والدافع الأخلاقي والحرقة وراء المقارنة الساخطة ما بين الحالين، ولكن يجب أن لا يختزل التفاعل العربي مع الحركة الاحتجاجية الطالبية في الجامعات الأمريكية في المقارنة والإشادة، وإنما السعي إلى النهوض بالعمل الطالبي العربي ضمن شروطه ومعطياته وفهم أزمته وتاريخه.
2. علينا الانتباه إلى الاختلاف في المعنى السياسي وتبعات شعار وقف الحرب والمقاطعة في جامعة أمريكية والمعادل الموضوعي لهكذا شعار والذي يساوي عربياً قطع العلاقات مع الكيان بالحد الأدنى أو وقف الحرب هو يعني الدعوة المواربة إلى إسقاط النظام.
3. صحيح أن العنوان المباشر للحراك الطالبي الغربي «حرب الإبادة في غزة»، إلا أن هذا العنوان هو في الوقت ذاته تعبير عن حراك نضالي لقضايا اجتماعية: الحريات والتمويل وحقوق «الأقليات والمهاجرين» والمهمشين وهوية الجامعة ودورها في هذه المجتمعات، وصولاً إلى المسعى من قبل المثقفين اليهود للحفاظ على موقع «النقد اليهودي الأخلاقي» في المجتمعات الغربية لكي لا تتحقق مقولة/ نبوءة إدوارد سعيد «أنا المثقف اليهودي الأخير» كما وصف ذاته يوماً.
4. لا يمكن عولمة معنى الحركة الطالبية ومعنى أن يكون الطالب فاعلاً سياسياً، من حيث الصور والأشكال المتعددة كونياً للعمل الطالبي، فعلى سبيل المثال في مجتمعنا يشكل الطلاب نسبة كبيرة من الناشطين في العمل المقاوم العسكري، بمعنى أن ثورية الطلبة لا تتحدد حصراً في المجال الطالبي دون أن يعني هذا عدم أهمية هذا المجال وحيويته في الاجتماع السياسي لأي مجتمع.
5. أحد مكونات السياق السياسي/ الاجتماعي للاحتجاج الطالبي الأمريكي هو وصول التناقض إلى ذروته ما بين المقولة الليبرالية للجامعة الأمريكية وواقعها السياسي، هذا بالإضافة إلى إرث الفكر النقدي في العلوم الإنسانية والاجتماعية في هذه الجامعات، فعندما يخرج الطالب الأمريكي للاحتجاج، فهو يستند إلى الإرث والمقولة ويرى ذاته وفياً لإرث المؤسسة ومقوماً لاعوجاجها، بينما لا تمتلك الجامعة العربية مقولة أخلاقية ولا حاضنة لنشوء فكر نقدي في دوائر العلوم الإنسانية والاجتماعية، وإنما هي متخمة بالسلطة كمسميات وطقوس (من المعبر هنا الانتباه إلى أنّ الجامعة العربية الوحيدة على ما أعلم، التي شهدت حركة احتجاجية متناغمة مع الاحتجاج الأمريكي الطالبي، هي الجامعة الأمريكية في القاهرة).
6. الاحتجاج الطالبي الغربي تطور مهم في دعم غزة، والتفاعل معه فكرياً مهم أيضاً لبداية نقاش طالبي حول استرداد دور الحركة الطالبية العربية لدورها السياسي المجتمعي ضمن ظروفها وقضاياها دون أن يتحول الفارق ما بين الحالين (الأمريكي والعربي) إلى مسطرة ونموذج وربما إلى مناسبة أخرى «لكره الذات»...
* أكاديمي فلسطيني - من حسابه في منصة «اكس»
في تاريخ 25 نيسان 2024


ربيع بركات *
ثمة تفاهة - أو كسل معرفي - في تعامل البعض مع التظاهرات الطالبية القائمة في الولايات المتحدة اليوم. رغبة في الاختزال تجدها عند من تقتصر قراءتهم للأحداث بوصفها بنطلوناً يلبسونه، فإما أن يكون على مقاسهم، أو لا يكون.
هذه التظاهرات - وفقاً لكلّ مؤشر - حاوية لكلّ شيء مناهض للحرب على غزة.
فيها المتضامنون مع الضحايا الفلسطينيين فحسب، وفيها دُعاة مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية ووقف الاستثمار فيها، وفيها من يصلُ بهم الحلم إلى التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها واجهة الصراع مع الإمبريالية في العالم. وفي التظاهرات أيضاً أنصار للمقاومة المسلحة، وبينهم أنصار يوغا وعبّوطة وسلام. ومنهم الإسلاميون، أو المسلمون و/أو العرب فحسب، وبينهم يهود معادون لإسرائيل، وملوّنون يغرفون من تاريخ التمييز المتوارث ضدهم، وشباب بيض فرحون بتمايز جيل Z خاصتهم عن سائر الأجيال، وبينهم نسويون ونسويات وناشطون مثليّون.
لذلك، حين تُفرش سجادات الصلاة في زوايا، تعبق رائحة الماريوانا في زوايا أخرى. ويجمع الطيفَ أساتذة ليبراليون يخشون على فقدان حسهم الإنساني أو يتعاملون مع الحرب نقدياً أو فلسفياً، بآخرين يتعاملون مع الأمر بوصفه رعاية لطلابهم فحسب، فيما يشطح قلّة منهم في الغالب نحو اليسار.
طيّب، بالتأكيد كانت الحركة المناهضة للحرب على فييتنام أقل تركيباً في الستينيات والسبعينيات. وكذا كانت الحركة الاحتجاجية المطالبة بمقاطعة نظام جنوب أفريقيا العنصري حتى انكساره في التسعينيات. لكن هل يظنّ عاقل أن أياً من الحراكين اقتصر على لون واحد؟ وهل يمكن إغفال كم فعلت سياسات الهوية - أحد المحرّكات الرئيسية للتمايز السياسي في الولايات المتحدة اليوم - في تشكيل الأشخاص على نحو يُبرز فردانيتهم ويقصر اجتماعهم على عناوين محدّدة قادرة على احتواء «كل شيء» تحتها؟
ثمّ إنّ هذه حركة تضامنيّة عنوانها الواسع الضغط على إسرائيل. من قال إنه ينبغي أن يكون لها برنامج حزبي؟
إن اقتصر أثر الضغط على سقف محدود، كان به. وإن أوصل إسرائيل - مع غيره من العوامل - إلى انكسار، يبقى عظيم.
عادي. البنطلون واسع. البس منه قدر ما تُحبّ، وخفّف نكد حبّتين.
وفي حال كان قلقك على إسرائيل، روح شوف بنطلون تاني ياخي.
* أكاديمي لبناني - من صفحته في «فايسبوك»
في تاريخ 26 نيسان 2024